يستعدّ الجزائريون لاستقبال لاستقبال شهر رمضان بطقوس احتفالية خاصّة تميّزه عن باقي شهور السنة، إذ تعوّدت الأسر في هذه المناسة، على إحياء عدد من التقاليد المتوارثة، تشمل تهيئة البيوت وإعادة طلائها وتغيير الأثاث والأواني الجديدة، فضلًا عن تخصيص بعض النّفقات الإضافية على خلاف الأيام الأخرى.
حركية الأسواق التي تشهدها الجزائر هذه الأيام توحي بتمسك كثير من الأسر الجزائرية بعاداتها وتقاليدها واحتفائها بهذا الشهر
من أهم العادات التي تتشبّث بها العائلة الجزائرية تنظيف البيوت استعدادًا لاستقبال هذا "الضيف العزيز" وتوضيب "عولة سيدنا رمضان" وهي تسميات يطلقها على التحضيرات التي تسبق شهر الصيام.
يرى كثيرون، أن عادة طلاء المنازل وتنظيفها هي عادة توارثتها العائلات أبًا عن جدّ مع اقتراب شهر الصيام، إذ تعتقد السيدة حليمة بلبشير من حي المدنية بأعالي العاصمة الجزائرية أن تزيين البيت ودهن الجدران وتغيير بعض الأثاث هو إيذان باقتراب "اللمّة العائلية" حول مائدة رمضان.
واعتبرت حليمة في حديثها لـ "الترا جزائر" أن هذه العادة تكفي لأن تتجدد الحياة في داخل الأسرة التي فرقتها الظروف المعيشية، رغم أنها بدأت في الزوال تدريجيًا، وأردفت: "هي فرصة لتجديد طاقة البيوت وحيويتها وزينتها خلال الشهر العظيم".
تقليد خاص بالنّساء
تعتبر التحضيرات لشهر رمضان، استعداد الجزائريين لاحتضان شهر الصيام رغم زوال بعضها، بحكم الظروف الاجتماعية والاقتصادية أيضًا، غير أنه في المقابل من ذلك، لا زالت الأسر تحرص على بعض التقاليد التي تعطي طعمًا لشهر الصيام، مثل تغيير أواني تحضير "الشربة"، وتحضير بعض التوابل التي تستعملها النساء في الطهي فضلًا عن إجراء بعض التغييرات على أثاث المطبخ وتزيينه وترتيب طاولة الطعام التي تعتبر مجمعًا يوميًا عقب آذان المغرب من كل يوم.
قبل أيام من الشهر الفضيل، تتحول الأسواق في الجزائر إلى خلية نحل لعرض وبيع الأواني بمختلف أنواعها وصنوفها نحاسية كانت أو فخارية، وأصناف متعددة من الصحون والملاعق وتقديم العروض المغرية من ناحية الأسعار بمناسبة حلول شهر رمضان، إذ تعودت الأسر الجزائرية على شراء أواني جديدة استقبالًا لرمضان وتجديد أثاث البيت كتقليد تعتني به المرأة الجزائرية بامتياز.
ففي إحدى محلات بـ"ساحة الشهداء" بقلب العاصمة الجزائرية، لا تكاد تسمع إلا صراخ الباعة عن خفض أسعار الأواني ونداءاتهم للمارة للشراء، وهذا لمعرفتهم الجيدة بالطلب الذي يرتفع على الأواني قبل حلول الضيف العزيز، حد تعبير إلياس وهو شاب يبيع الأواني، إذ قال لـ"الترا جزائر" إنه تاجر متنقل ويتحول قبل رمضان في عرض الأواني مشيرًا إلى أن النساء يتفنن في شراء هذه المنتجات لارتباطها بتجديد أواني الطبخ لتحضير الأطباق المشهورة منذ بدء أول أيام الصيام.
بهارات رمضان و"العولة"
لا تختلف الأسر في تحضير ما يطلق عليه شعبيًا بـ "توابل رمضان"، وهي عبارة عن تحضير مجموعة من البهارات بطرق تقليدية أو اقتناءها من العطارين، إذ يتم إعدادها من خلال خلط عدة توابل مثل الفلفل الأسود والكروية والفلفل الأحمر والفلفل الأسود و القصبر الجاف، والقرفة والقرنفل والزعفران والكمون، وغيرها من التوابل المستعملة في طهي المأكولات الشهية في الشهر الفضيل، وتعطيها مذاقًا طيبًا.
وفي هذا المضمار ترى السيدات أن هذه البهارات أو التوابل صالحة لإعداد صنوف من الأطباق مثل الكفتة باللحم وطاجين الحوت وأطباق أخرى تفوح رائحتها بسبب تلك البهارات، خاصة خلط ورق الغار والزنجبيل والزعتر والزعفران والفلفل الأسود.
اللافت أن هناك توابل أخرى يتمّ خلطها يتم تحضيرها جاهزة وموجودة في محلات العطارة أو المراكز التجارية الكبرى، تستعملها المرأة في طهي مختلف أنواع الأطباق الشهية التي تحضر باللحوم والدجاج والأسماك.
أهم موروث غذائي تعدّه النّساء في البيوت الجزائرية قبيل رمضان هو القمح المطحون أو ما يسمى بـ" الفريك" لإعداد طبق "الشّربة"، أهم طبق في مائدة رمضان بالجزائر والذي يختلف إعداده من منطقة لأخرى إذ يسمى هذا الطبق بـــ "الشربة" في وسط الجزائر أو "الجاري" في عدد من الولايات شرق البلاد، أو " الحساء" أو "الحريرة" في عدد من المناطق بغرب الجزائر.
إضافة إلى ما سبق، تعكف النساء على تحضير ما يسمى شعبيا بـ "عولة رمضان" أو ما يتمّ تخزينه من مؤونة للشهر الفضيل "الفلفل الطازج المخلل والزّيتون أيضًا في إناء زجاجي مغلق يتم تجهيزه بالماء والملح والخلّ حتى يتم تناوله خلال أيام رمضان.
وإضافة إلى ذلك، تقوم بعض العائلات بتجهيز "ماء الورد" المقطر تقليديًا وهو من النّكهات الخاصة إما لإعداد حلويات الشهر الفضيل أو كمضاف للقهوة لتحسين مذاقها في السهرات الرمضانية.
اقتصاديًا، يعتبر تحضير "العولة" حسب تصريحات البعض يسهم في ترشيد نفقات الأسر الجزائرية، إذ كشفت فريدة بلواد في حديث إلى"الترا جزائر" أن العائلات تحضر الكثير من المؤونة التي تحتاجها خلال الشهر كاملا، لذا فهي تدّخر ما يمكن استغلاله في الطهي دون القيام بالشراء اليومي المكلف جدا-حسب ماذكرته-
ممارسات متميزة
بعيدًا عن الطبخ وفنون الأكلات الجزائرية، فإن طبيعة الممارسات والنشاطات في شهر رمضان في الجزائر متميّزة، إذ هي تعبير عن طريقة للعيش في المجتمع الجزائري كما قال الباحث في علوم الأنثروبولوجيا بجامعة البليدة شرق الجزائر الدكتور عادل زوقاري في حديث إلى "الترا جزائر"، لافتًا بأن الاستعداد لرمضان يشكِّل التّراث الاجتماعي المتناقل عبر متغير الزمان والمكان، خصوصا في المناسبات الدينية.
وأضاف زوقاري أن هذه الثقافة المنتشرة في المدن الجزائرية هي من يؤطر شؤون الأفراد وتمثِّل –حسبه-أيضًا خصوصية الانتماء إلى المحلي المنسجِم مع الوسط الاجتماعي".
وفي هذا السياق، يتم توارث هذه العادات كحالات ثقافية يتناقلها كل جيل إلى آخر عبر العمليات الاجتماعية التي تسمح بدورها بترسيخ هذه العناصر في وعي الأفراد لتشبع حاجاتهم اليومية.
وتتجلى هذه العادات من خلال صيغ مختلفة أبرزها في الاحتفالات الدينية والاجتماعية من بينها شهر رمضان والأعياد، إذ تعكس حسب أستاذة علم الاجتماع نوال بوكبة من جامعة قسنطينة شرق الجزائر، الشعور بالراحة لأنها تمثل بدورها أي هذه العادات والاستعدادات للشهر الفضيل "العقل الجمعي".
وأوضحت بوكبة في حديث إلى ""لترا جزائر" أن العادات المرتبطة بالشهر الفضيل هي "حلقة وصل بين الأفراد والذاكرة التي تناقلتها الأجيال عبر أنماط الاحتفال بشهر رمضان والممارسة اليومية خلال ثلاثين يوم وتلبية حاجات الأسر".
التجديد في البيوت من علامات الاستعداد لشهر رمضان حيث تحاول العائلات التمسك ببعض العادات التي تعيد لهم حيوية العيش ويضفي الارتياح داخل البيت
التجديد في البيوت من علامات الاستعداد لشهر رمضان، حيث تحاول العائلات التمسك ببعض العادات التي تعيد لهم حيوية العيش ويضفي الارتياح داخل البيوت، ليعطي للشّهر الفضيل نكهة واستقباله بأفضل حلة واستعادة أجواء الفرحة خلال أيامه.