في الـ23 أكتوبر 1954، أي قبل اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر بأسبوع، وفي بيت سرّي بحي لابوانت يسكاد، حدث اللقاء "التاريخي" بين ستة رجال كانوا مطاردين من قبل القضاء والجيش الفرنسي، حيث اجتمعوا وخططوا وهندسوا لتفجير ثورة تعدّ واحدة من أكبر الثورات في العالم خلال القرن العشرين.
القادة الستة الذين اتخذوا قرارا تاريخيا غيّر موازين القوى وفاجأ الاستعمار الفرنسي وحلفاءه هم ديدوش مراد، رابح بيطاط، العربي بن مهيدي، كريم بلقاسم، محمد بوضياف ومصطفى بن بولعيد
القادة الستة الذين اتخذوا قرارا تاريخيا غيّر موازين القوى وفاجأ الاستعمار الفرنسي وحلفاءه هم ديدوش مراد، رابح بيطاط، العربي بن مهيدي، كريم بلقاسم، محمد بوضياف ومصطفى بن بولعيد، حيث كان اجتماعهم السرّي بمثابة خارطة لرحلة كفاح طويلة، فتم خلال اجتماع الستة إعلان بيان أوّل نوفمبر، وتسمية جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، وتوزيع المهام، في إعلان صريح أنّ الثورة بدأت ولن تتوقف إلاّ بنيل الاستقلال.
وعن الستة الكبار الذين قادوا الجزائر لأعظم ثورة في التاريخ، تستذكر "التراجزائر" انطلاقا من مصادر رسمية وهي المتحف الوطني للمجاهد والمتاحف الجهوية التابعة له وكذا الموقع الالكتروني للرئاسة الجزائرية، إضافة إلى جامعات جزائرية، حياة ونضال هؤلاء الأبطال وأبرز المحطات التي مرّوا عليها وعاشوها من أجل أن تتحرر الجزائر من قيد الاستعمار الفرنسي.
ديدوش مراد.. قصة المعركة الأخيرة
مدعو بـ"سي عبد القادر"، ولد في الـ13 جويلية 1927، بحي المرادية في الجزائر العاصمة وسط عائلة محافظة، زاول تعليمه الابتدائي وتحصل على الشهادة الابتدائية باللغة الفرنسية سنة 1939، لينتقل بعدها إلى المدرسة التقنية بالعناصر، وفي سنة 1942 انتقل إلى قسنطينة حيث درس بالثانوية التقنية وتخرج مقتصدا، وفي 1944، التحق بمؤسسة السكك الحديدية بالعاصمة وعمل موظفا في إحدى محطات القطار.
ديدوش مراد، انخرط في صفوف الحركة الوطنية وشارك في مظاهرات 08 ماي 1945 بمدينة الجزائر، وفي 1946 أنشأ بالجزائر العاصمة فرقة للكشافة الإسلامية الجزائرية تحت اسم "فرقة الأمل" وأسس "الفريق الرياضي الإسلامي" وكان لاعبا فيه، بعد تأسيس المنظمة الخاصة "L’OS" انضم إليها وعُين سنة 1948 قائدا جهويا لعمالة قسنطينة، ولما اكتشف أمر المنظمة سنة 1950 فرّ إلى جبال الأوراس، وحكمت عليه المحكمة الفرنسية غيابيا بالسجن 10 سنين.
في 1952 كون رفقة الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد نواة سرية مهمتها صنع المواد المتفجرة استعدادا للثورة، وكان ديوش حاضرا في اجتماع مجموعة الـ22 التاريخي في جوان 1954، وقد اختير وقتها ضمن لجنة الـ5 المكونة للنواة الأولى لقيادة الثورة، وكلف بكتابة بيان أوّل نوفمبر رفقة محمد بوضياف في اجتماع الستة.
ليلة 1 نوفمبر 1954، قاد ديدوش المنطقة الثانية " الشمال القسنطيني"، وقاد العديد من العمليات ضد المحتل رغم قلة الأسلحة، وبعد سنة في جانفي 1955 حاصرته القوات الفرنسية بمنطقة بوكركر رفقة مجاهدين، فقرر خوضها وقال حينها: "يجب أن تكون هذه المعركة مصدر اعتزاز وفخر حتى يزداد تعلقا بالثورة ."، وفيها استشهد مع بعض من رفاقه وكان ذلك في 18 جانفي 1955.
العربي بن مهيدي.. هزم جلاديه بابتسامة
وعن بن مهيدي كتبت جامعة "أحمد دراية" بأدرار عن حياته ونضاله وهذا أبرز ما جاء فيها: "يعد الشهيد مهيدي من الرعيل الأول الذين ساهموا في إعلان وتفجير الثورة، وهو عضو لجنة الـ6 التي حملت على عاتقها مسؤولية الكفاح المسلح."
ولد ابن مهيدي محمد العربي سنة 1923 بعين مليلة بأم البواقي، والده عبد الرحمان وأمه قاضي عائشة، درس بالكتاتيب وحفظ ما تيسر من القرءان، ثم زوال دراسته الابتدائية والإعدادية بمدرسة "لافيجري" بناحية الزيبان ببسكرة)، ليتوقف عن الدراسة، ويشتغل في تجارة التمور الذي كان يمارسها والده.
وفي سنة 1939 انخرط بن مهيدي في الحركة الرياضية والكشفية ببسكرة تحت إشراف حزب الشعب الجزائري، ثم انتقل إلى قسنطينة وهناك احتك بالشيخ مبارك الميلي وجمعية العلماء المسلمين، ثم انضم إلى حركة "أحباب البيان والحرية" التي أسسَّها فرحات عباس وعيّن فيها كاتباً بإحدى نوادي الحركة.
شارك في مظاهرات ماي 1945 واعتقل وأودع سجن الكدية بقسنطينة لمدة 3 أشهر، ساهم بعد ذلك في تأسيس حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946م، وفي سنة 1947 أيّد بقوة تأسيس المنظمة الخاصة الجناح العسكري للحزب.
وخلال اجتماع أكتوبر 1954 أسندت إليه مهمة تفجير وإعلان الثورة في المنطقة الخامسة (وهران)، ورغم قلة الإمكانيات في هذه المنطقة إلاَّ أن البطل كان حاضراً في الموعد، وبعد إشعال فتيل الثورة بما عنده من إمكانيات متواضعة إن لم نقل معدومة اضطر القائد إلى السفر والاتصال بالوفد الخارجي بالقاهرة لتموين المنطقة وتزويدها بالسلاح وذلك نهاية 1955 وبداية 1956.
شارك بن مهيدي في مظاهرات ماي 1945 واعتقل وأودع سجن الكدية بقسنطينة لمدة 3 أشهر، ساهم بعد ذلك في تأسيس حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946م، وفي سنة 1947 أيّد بقوة تأسيس المنظمة الخاصة الجناح العسكري للحزب
وخلال مؤتمر الصومام عين عضواً في "لجنة التنسيق والتنفيذ"، وبفضل ذكائه وتفانيه في العمل وغزارة أفكاره أطلق عليه زملاؤه لقب "صندوق الأفكار"، كما أبلى بلاءً حسناً في معركة الجزائر الشهيرة سنة 1957، تلاها إضراب 8 أيام وذلك باقتراح من ابن مهيدي الذي أراد من خلال هذا الإضراب لفت أنظار الرأي العام الدولي إلى قضية الشعب الجزائري، وذلك تزامناً مع انعقاد الدورة الـ12 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
تعرض بن مهيدي لأبشع أنواع التعذيب على يد الجيش الفرنسي، لكن قابلها بابتسامة واستشهد في 1957 دون أن يبوح بسر واحد عن الثورة، ما جعل عدوه يعترف ببسالته، حيث قال عنه الجلاد، النقيب آلير: "كان رجلاً هادئاً، في قمة الصفاء، لم يكن خائفاً ولم يكن قلقاً.. يجب الاعتراف بالعظمة والشجاعة للخصم، حتى اسمه الثوري كان حكيماً.. آلمني فقدان رجل مثله."
ومن أقواله الراسخة في الذاكرة: "ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب"، "إذا استشهدنا دافعوا عن أرواحنا، نحن خُلقنا من أجل أن نموت لكي تخلفنا أجيال لاستكمال المسيرة."
رابح بيطاط.. وسام "صدر" قبل الوفاة
ورد عن البطل رابح بيطاط في ورقة قدمها المتحف الجهوي للمجاهد لولاية سكيكدة أنّ "رابح بيطاط من مواليد 19 ديسمبر 1925 بعين الكرمة بولاية قسنطينة، زاول تعليمه بقسنطينة ثم اشتغل بمعمل التبغ التابع لبن شيكو ، ناضل منذ صغره في صفوف حزب الشعب، ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وأصبح عضوا فاعلا في المنظمة الخاصة، وبداية من عام 1950 بدأ حياة السرية وتمت محاكمته من طرف السلطة الفرنسية سنة 1951 بسبب نشاطه السياسي وحكم عليه ب 10 سنوات سجن تنقل إلى المدية والغرب الجزائري للاتصال بالمناضلين كان من بين مؤسسي اللجنة الثورية للوحدة والعمل، ثم المنظمة الخاصة .
شارك بيطاط في التحضير لاندلاع الثورة بالعاصمة وضواحيها، حيث أشرف ليلة الفاتح من نوفمبر، شخصيا على أهم العمليات المنفذة بمنطقة متيجة التي استهدفت المصالح الاستراتيجية للاستعمار الفرنسي وهي الهجوم على ثكنة بيزو بالبليدة، كما تم في نفس الليلة الهجوم على تعاونية بوفاريك للخضر والفواكه، ومصنع بابا علي، جسر حمام ملوان، بن شعبان، وخطي السكة الحديدية ببوفاريك.
ألقي عليه القبض بعد خمسة أشهر من اندلاع الثورة، 16 مارس 1955 حكم عليه من طرف محكمة عسكرية فرنسية بالسجن مدى الحياة مع الأعمال الشاقة.
رغم تواجد في السجن بفرنسا إلا أن قيادة جبهة التحرير الوطني عينته عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية ثم في لجنة التنسيق والتنفيذ، ثم وزير دولة في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سنة 1958.
بعد إضراب عن الطعام ثلاث مرات للمطالبة باعتباره سجين سياسي حول إلى زملائه المختطفين منذ أكتوبر 1956 (أحمد بن بلة، محمد بوضياف، حسين آيت أحمد، محمد خيضر)، ثم أطلق سراحه مع المجموعة يوم 20 مارس 1962.
تقلد الراحل رابح بيطاط رئاسة الدولة الجزائرية لمدة 45 يوما بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين في 1978 وتولى رئاسة المجلس الشعبي الوطني لمدة أربع عهدات تشريعية إلى أن قدم استقالته في 1990
وفي الحكومة الأولى بعد الاستقلال، عين في سبتمبر 1962، نائبا رئيس مجلس أول حكومة جزائرية، كما عين وزيرا للدولة سنة 1965 وبعدها في سنة 1972 وزيرا للنقل، كما ترأس المجلس الشعبي الوطني في مارس 1977.
وتقلد الراحل رابح بيطاط رئاسة الدولة الجزائرية لمدة 45 يوما بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين في 1978 وتولى رئاسة المجلس الشعبي الوطني لمدة أربع عهدات تشريعية إلى أن قدم استقالته في 1990، وفي 5 جويلية 1999 تم تقليده أعلى وسام في الدولة "صدر" قبل وفاته في 11 أفريل عام 2000.
كريم بلقاسم.. قائد الوفد الجزائري في "إيفيان"
من مواليد 14 ديسمبر 1922 بازرى عيسى بلدية أيت يحيى موسي بذراع الميزان ولاية تيزي وزو، ابن حسين بن حمو بن عبيسى وشيباط حليمة، يدخل المدرسة الابتدائية بالعاصمة في 1928، يترك المدرسة ليوظف أمينا بالبلدية المختلطة بذراع الميزان عام 1940. يغادرها بعد سنة لرداءة علاقاته مع مسؤولي البلدية، شكّل على الاستعمار إذ بدأ يجمع من حوله شباب مناوئين ليحال على مركز تكوين الشباب بالأصنام (الشلف) ويتخرج من هناك بشهادة محاسب. في 1 جويلية 1943 استدعى للخدمة العسكرية الإجبارية بالأغواط ليحول إلى البليدة في4 ماي/مايو 1944 برتبة عريف، ويسرح من الجيش في4 أكتوبر 1945برتبة عريف أوّل. بحسب ما ورد في صفحة المتحف الجهوي للمجاهد بتيزي وزو.
انضم بلقاسم إلى جمعية أحباب البيان ثم إلى حزب الشعب الجزائري ليتخذ مسؤوليات عديدة في غاية الأهمية والسرية، ثم صدر في حقه أمر الامتثال أمام قاضي التحقيق بتهمة المساس بالسيادة الفرنسية في 22 مارس 1947 ومنذ ذالك يشق كريم ورفاقه طريقهم نحو الجبال وبحوزته سلاح الستارن الانجليزية، ليحاكم غيابيا عدة مرات بالسجن المؤبد والإعدام وهو في نضاله سائرا.
عين مسؤولا على المنظمة السرية (l’OS) عن المنطقة ما بين تيزي وزو الأكفادو عامي 1949 و1950، يضحى المسؤول الوحيد عن القبائل عند إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل (CRUA) عام 1953 ليكلف رفقة ديدوش مراد، مصطفى بن بلعيد، العربي بن مهيدي، رابح بيطاط ومحمد بوضياف بتفجير الثورة في اجتماع القادة بالريس حميدو في 10 أكتوبر 1954.
وهو قائد لمنطقة القبائل ليلة الفاتح نوفمبر 1954، أشرف على سحب بيان أول نوفمبر في إغيل ايمولا – تيزي تلاتة-بواضية ولاية تيزي وزو، يرسل أعمر أوعمران نائبه لتفجير الثورة بالمتيجة على رأس 132 فرد بطلب من بيطاط، ويتكفل هو ونوابه بتنظيم عمليات عسكرية بكافة القبائل، يبق كذالك حتى تختار منطقته مقرا لعقد مؤتمر الصومام باوزلاقن ولاية بجاية حاليا، يضع كريم بصماته بالمؤتمر في التنظيم العسكري، ومد مختلف الولاية بالمال الناتج عن عملية العصفور الأزرق مسندا تامين ناحية أوزلاقن للقائد أعميروش أيت حمودة الذي يرقى رائد بعد المؤتمر.
بعد إنشاء الحكومة المؤقتة في 19/9/1958 يتقلد كريم بلقاسم عدة مناصب عليا، فهو نائبا للرئيس ووزيرا للقوات المسلحة في التشكيلة الأولى، ثم نائيا للرئيس ووزيرا للخارجية في التشكيلة الثانية من جانفي 1960 إلى 25 أوت 1961، وفي هذه المرحلة يدخل كريم المعترك الدبلوماسي وهو رجل عسكري ميداني لا دراية له بالدبلوماسية، ومع ذالك يترك بصمات في السياسة الدولية، يحتفظ كريم بحقيبة نائبا للرئيس ووزيرا للداخلية في التشكيلة الثالثة من 27 أوت 1961 لتتخطى القضية الوطنية نحو المفاوضات السرية ثم العلنية وهو رئيسا للوفد الجزائري المفاوض .
وطنية كريم بلقاسم، حنكته، دهائه العسكري والسياسي كانت من صفات الموقع على اتفاقيات ايفيان، ويبق توقيع بلقاسم كريم أمام توقيع لويس جوكس، روبير بيرون وجون دو بروقلي عن الطرف الفرنسي في 18 مارس 1962 شهادة للتاريخ مقيدة في أرشيف الثورة الجزائرية عن الرجل.
نهاية مسار الرجل الثائر، اغتياله في ظروف غامضة بفرانكفورت الألمانية في 22 أكتوبر 1970 ثمانية سنوات بعد استقلال الجزائر.
محمد بوضياف.. من بطل في الثورة إلى رئيس الجزائر
صفحة الرئاسة الجزائرية على موقعها الالكتروني الرسمي تقدم وتوثق ومسار الرئيس الرابع للجزائر، وأحد أبطال الثورة وتقول: "ولد محمد بوضياف في 23 جوان 1919 بمدينة المسيلة (ولاية المسيلة)، زاول دراسته ببوسعادة. لقب بـ"السي الطيب الوطني" خلال ثورة التحرير المجيدة، وهو أحد كبار رموز الثورة وقادتها والرئيس الرابع للدولة الجزائرية المستقلة. وبعد أن أكمل دراسته بالثانوية في المسيلة، التحق بوضياف بالإدارة الاستعمارية بصفة "ملحق إدارة".
انضم إلى صفوف حزب الشعب الجزائري وبعدها أصبح عضوا في المنظمة السرية، وفي أواخر عام 1947 كلف بتكوين خلية تابعة للمنظمة في قسنطينة. وفي 1950 حوكم غيابيا مرتين وصدر عليه حكم بثماني سنوات سجنا، وتعرض للسجن في فرنسا مع عدد من رفاقه، وفي عام 1953 أصبح عضوا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
بعد عودته إلى الجزائر، ساهم محمد بوضياف في تنظيم اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي ترأسها وكانت تضم اثنين وعشرين عضوا، وهي التي قامت بتفجير ثورة التحرير الجزائرية.
انتخب عضوا في المجلس الثوري للثورة الجزائرية خلال أشغال مؤتمر الصومام في صيف 1956، وفي أكتوبر من نفس العام أوقف ومعه أحمد بن بلة ومحمد خيضر وحسين آيت احمد ومصطفى الأشرف، بعد اعتراض الجيش الفرنسي طائرتهم خلال رحلة عبر تونس والقاهرة بين الرباط. وقد عين عام 1961 نائب رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
في سبتمبر 1962 أسس حزب الثورة الاشتراكية. وعاش منذ 1972 متنقلا بين فرنسا والمغرب في إطار نشاطه السياسي. وفي سنة 1979 بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، قام بحل حزب الثورة الاشتراكية وتفرغ لأعماله الصناعية، إذ كان يسير مصنعا للآجر بمدينة القنيطرة في المملكة المغربية.
في جانفي 1992 بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، استدعته الجزائر لينصب رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، الذي خلف الرئيس الشاذلي بن جديد، ليعود إلى البلاد في 16 جانفي 1992 ليتسلم مقاليد الحكم بالنظر لسجله التاريخي المشرف كأحد كبار رموز الثورة وقادتها.
بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، تم الاتصال به من طرف قيادات في الجيش، ليتم ارسال المحامي علي هارون إلى مدينة القنيطرة لإقناع المجاهد محمد بوضياف، بالعودة للبلاد وتولى رئاسة الدولة.
وبعد موافقته على العودة، ترأس "المجلس الأعلى للدولة" بعضوية كل من على كافي، علي هارون، خالد نزار وتيجاني وهدام، ودامت فترة رئاسته إلى 29 جوان من نفس السنة، أين اغتيل في مدينة عنابة برصاص أحد حراسه."
مصطفى بن بولعيد.. أسد الأوراس
أسد الأوراس، مصطفى بن بولعيد، قائد سياسي يحسن التخطيط والتنظيم والتعبئة يملك رؤية واضحة لأهدافه ولأبعاد قضيته وعدالتها،ولد بن بولعيد في 5 فيفري1917، في قرية إينركب بأريس. التحق بالكتاب لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في أريس ثم انتقل به أبوه إلى باتنة وأدخله المدرسة الفرنسية، وواصل بها دراسته حتى وصل إلى مستوى شهادة الأهلية، ثم أوقفه أبوه عن مواصلة التعليم الفرنسي وانتقل به إلى قرية "أفره" بين عين الطين وأريس، ليمارس التجارة، بسبب عراقيل الإدارة الإستعمارية. بحسب مقال بحثي نشره الأستاذ س. بعموشة في جريدة الشعب سنة 2019، وأعادت نشرها جامعة باتنة عبر موقعها الالكتروني.
استدعي بن بولعيد للتجنيد القسري أواخر 1938 لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية المفروضة على كل الشبان الجزائريين حيث اقتيد إلى مدينة سطيف ورقي إلى رتبة رقيب وبقي في القوات الفرنسية إلى غاية 1940. ليخرط في حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية، ليشارك بواسطته في الإنتخابات المقبلة وعندما أنشأت المنظمة الخاصة في منتصف فيفري 1947 خلال مؤتمره الأول عين على رأسها المرحوم محمد بلوزداد، الذي اختار عين عبد القادر العمودي في الأوراس، وبعد نقله إلى بسكرة عين بن بولعيد مكانه، فأسس عدة خلايا للمنظمة وجند مناضلين تكفلوا بجمع الأسلحة وصنع القنابل والمتفجرات.
أسندت لبن بولعيد رئاسة اللقاء الذي انجر عنه تقسيم البلاد إلى خمس مناطق وعين على كل منطقة مسؤول وقد عين مصطفى بن بولعيد على رأس المنطقة الأولى: الأوراس كما كان أحد أعضاء لجنة "الستة"
مع اقتراب الموعد المحدد لتفجير الثورة تكثفت نشاطات بن بولعيد لضبط كل كبيرة وصغيرة، بحيث تنقل بن بولعيد إلى ميلة بمعية كل من محمد بوضياف وديدوش مراد للاجتماع في ضيعة تابعة لعائلة بن طوبال وذلك في سبتمبر 1954 بغرض متابعة النتائج المتوصل إليها في التحضير الجاد لإعلان الثورة المسلحة ودراسة احتياجات كل منطقة من عتاد الحرب كأسلحة والذخيرة. وفي 10 أكتوبر 1954 التقى بن بولعيد، كريم بلقاسم ورابح بيطاط في منزل مراد بوقشورة بالرايس حميدو وأثناء هذا الاجتماع تم الاتفاق على: إعلان الثورة المسلحة باسم جبهة التحرير الوطني. إعداد مشروع بيان أول نوفمبر 1954.– تحديد يوم 22 أكتوبر 1954 موعدا لاجتماع مجموعة الـ6 لمراجعة مشروع بيان أول نوفمبر وإقراره. وتحديد منتصف، ليلة الإثنين، أول نوفمبر 1954، موعدا لانطلاق الثورة المسلحة.
في آخر لقاء له مع قادة المناطق، قبيل ساعة الصفر، قال بن بولعيد جملته الشهيرة "إخواني سنجعل البارود يتكلم هذه الليلة".
اعتقل بن بولعيد في 11 فيفري 1955، وفي 3 مارس 1955 قدم للمحكمة العسكرية الفرنسية بتونس التي أصدرت يوم 28 ماي 1955 حكما بالأشغال الشاقة المؤبدة، بعدها نقل إلى قسنطينة لتعاد محاكمته من جديد أمام المحكمة العسكرية في 21 جوان 1955 وبعد محاكمة مهزلة أصدرت الحكم عليه بالإعدام، ونقل إلى سجن الكدية الحصين، والذي فرّ منه رفقة مجاهدين آخرين.
في آخر لقاء له مع قادة المناطق، قبيل ساعة الصفر، قال بن بولعيد جملته الشهيرة "إخواني سنجعل البارود يتكلم هذه الليلة".
وفي مساء 22 مارس 1956، وبعد آخر اجتماع عقده مصطفى بن بولعيد قبل استشهاده، في الجبل الأزرق بحضور إطارات الثورة في المنطقة الأولى وبعض مسؤولي جيش التحرير الوطني بمنطقة الصحراء. أحضرت مجموعة من المجاهدين، جهاز إرسال واستقبال، تركته فرقة لجيش الاحتلال الفرنسي، في مكان غير بعيد عن مركز الاجتماع، وعند محاولة تشغيل الجهاز انفجر، إذ كان مفخخاً. ما أدى إلى استشهاد مصطفى بن بولعيد و4 من رفاقه