على مسرح الراحل أيقونة الراي حسني شقرون، عاد مهرجان الراي بعد 15 عامًا من الغياب، بوجوه قديمة بارزة وأصوات جديدة لا تزال تحافظ على روح وطابع هذا اللون الموسيقي الذي خرج من أزقة وهران وبلغ العالميّة.
"الراي" ليس مجرّد موسيقى وعزف وغناء..، هو كتابٌ يحكي تاريخ بلد ويروي قصة مدينة حاضنة للفنون
الأحد مساءً، بمسرح الهواء الطلق الذي يحمل اسم ملك الأغنية العاطفية حسني شقرون، الذي اغتالته أيادي الغدر في الـ29 أيلول/سبتمبر 1994، بحيّ إقامته (قمبيطة)، كان اللقاء مع مهرجان الراي في طبعته الـ 12، تزامنًا ودورة الألعاب المتوسطية التاسعة عشر التي تستمر إلى الـ5 تموز/جويلية الداخل.
عودة المهرجان بعد 15 عامًا من الغياب عن المدينة التي تبنته واشتهر فيها ومنها انطلق محلّقًا إلى العالمية، حدثٌ استثنائي وخاص جدًا، بعد أن حُوّل إلى مدينة مجاورة هي سيدي بلعباس التي يعتبرها مختصون وفنانون أنّها مهد وموطن الراي.
وبالرغم من أنّ مهرجان الراي ولد في وهران عام 1985، وكانت آخر طبعاته في 2008، حوّل إلى ولاية سيدي بلعابس، إلاّ أنه يعود إلى الباهية ويعود إلى أبنائها وفنانينها ونجوم الراي الأشهر الملك الشاب خالد، الأمير الشاب مامي، وعندليب الراي الشاب حسني، ليس في طبعته محلية لكن بنكهة متوسطية تزامنًا واحتضان وهران لألعاب المتوسط بالتنسيق مع لجنة تنظيم هذه التظاهرة الرياضية وذلك دعما للبرنامج الثقافي والفنّي المرافق لها.
روحٌ جديدة
21 فنانًا من الجيل الجديد والرواد أيضًا يؤثثون سهرات المهرجان الممتدة من 26 إلى 30 حزيران/جوان الجاري، تتقدمهم الشابة الزهوانية التي رافقت الراحل حسني شقرون، وخالد وصحراوي وفضيلة في جولاتهم العالمية سنوات التسعينيات حيث كان الراي يفرض نفسه طابعا موسيقيا جزائرية مقارنة بألوان غنائية وموسيقية أخرى. وكذا المغني المعروف هواري بن شنات والشيخ النعام، وهواري الدوفان الغائب عن الساحة الفنية لفترة طويلة، إضافة إلى الفرقة الشهيرة ريانا راي التي يقودها لطفي عطار والتي عرفت برائعتها (يا الزينة ديري لاتاي).. إلخ. بحسب محافظ المهرجان محمد بوسماحة.
عودة المهرجان إلى وهران، ليس لخلق أجواء موسيقيّة وفرجويّة وتنشيط الفعل الثقافي والفني بوهران مضيفة ألعاب المتوسط، وإنّما العودة تعني أيضًا الاعتراف من خلال تكريم ثلة من عمالقة هذا اللون الفني العالمي الذين ساهموا في ترقيته وبلوغه كل أصقاع المعمورة دون الكشف عن أسمائهم، لكن على الأرجح سيكون أحدهم الشاب حسني الذي غنّى للأمل والحب والحياة ونقل الواقع وصنع البسمة في ظلمة العشرية السوداء، حسني الذي كسب الاحترام وأسر قلوب الشباب والشابات بأغانيه العاطفية وبإحساسه، وفنّه الذي لا يتكرر.
ليس مجرّد موسيقى..
فن الراي ليس مجرد موسيقى، وعزف وغناء، وأصوات جميلة لفنانين ذو صيت عالمي، الراي كتاب يحكي تاريخ بلد، يروي قصة مدينة حاضنة للفنون، ويسرد حكايات من عمق الأحياء الشعبية بوهران، التي تعدّ شاهدا على مؤسسيه الشيوخ والشيخات ونجوم الراي من جيل اليوم، وكذا أصالة الراي وتاريخ الراي اللون الفنّي الذي يمتد إلى الأغنية الوهرانية الأصيلة والطابع البدوي والشعر الملحون، لكن مع عصرنته على صعيد النوتة الموسيقية واللحن والكلمات أيضا.
ويقول محمود بن شعبان، الصحفي المهتم بالشأن الثقافي الفني "إنّ عودة مهرجان الراي إلى ولاية وهران بالتزامن مع الألعاب المتوسطية هو إبراز لجزء لا يتجزأ من هوية التراث والثقافة الجزائريين التي نقلها مطربون كانوا قد انطلقوا من هذه المدينة نحو العالمية. "
وذكر بن شعبان في حديث لـ "الترا جزائر": "أمثال الشاب خالد، الشيخة ريميتي وغيرها من الأصوات التي صدحت بهذا النوع الموسيقي في أكبر المسارح العالمية وعرّفت به في الخارج، لتشكل عودته إلى وهران في هذه المناسبة بالذات واجهة فنية بامتياز. "
و"الراي" كلمة تعني الرأي (تعبير الفرد عن رأيه)، بحسب مختصين وباحثين، وهنا يعرّفه الكاتب والروائي الجزائري سعيد خطيبي في كتابه (أعراس النار.. قصة الراي) الصادر في 2010، بأنّه طابع موسيقي جزائري وعربي يعدّ الوحيد الذي تمكن في ظرف قياسي من بلوغ الذروة العالمية حتّى إنّ القاموس اللغوي الفرنسي "لاروس" أدرج كلمة "الراي" بداية من 1998 ضمن مصطلحاته.
وزارة الثقافة الجزائرية أودعت في مارس 2021 ملف فن الرّاي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"
كما تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الثقافة الجزائرية، أودعت في آذار/مارس 2021، ملف فن الرّاي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، مشددة على أنّ الجزائر مصدر موسيقى الراي، وتتمسك بترشيحها ضمن قائمة التراث العالمي اللامادي لدى يونسكو".