يبدو أن ملف ندرة السيارات في الجزائر، في أعقاب وقف الاستيراد وحتى بعد تجميد الإنتاج محليًا طيلة 4 سنوات، لم يتسبب في ندرة المركبات فقط، وإنما أحدث أزمة كبيرة لقطع الغيار في السوق الجزائرية.
رئيس اللجنة الوطنية لاستيراد قطع غيار السيارات: توقيف استيراد المركبات وإلزام مستوردي قطع الغيار بالمرور عبر المنصة الرقمية خَلَقَ نُدرة غير مسبوقة وألهب الأسعار بشكل قياسي
ورحّب عدد كبير من مستوردي قطع الغيار بقرار السلطات بفتح باب استيراد هذه السلع الأساسية مؤخرًا عبر منح متعاملين مودعين لطلبات الاستيراد منذ أزيد من سنة وثيقة التوطين البنكي بداية من الفاتح تشرين الأول/أكتوبر الجاري، مع العلم أن هذه الوثيقة صالحة للاستعمال لمدة شهر.
ويقول مستوردون لـ"الترا جزائر" إنّ ندرة قطع الغيار تؤدي بشكل تلقائي إلى اهتراء الحظيرة الوطنية للسيارات وزيادة نسبة حوادث المرور وتلويث المحيط بشكل أكبر وعرقلة حركة النقل.
أسباب الأزمة
يرى رئيس اللجنة الوطنية لاستيراد قطع غيار السيارات على مستوى الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الجزائريين، عبد الرحمن بهلولي، أن سبب ندرة قطع الغيار وارتفاع سعرها في السوق الجزائرية خلال الثلاث سنوات الماضية مردُّه أربعة عوامل، مؤكدًا في إفادة لـ"الترا جزائر" أن السبب الرئيسي هو وقف الاستيراد، وتجميد استقدام السيارات والمركبات ككل من الخارج بدءًا من سنة 2018.
ويوضح بهلولي أن "استيراد هذه المنتجات للسوق المحلية كان يتم إمّا عبر مستوردين ناشطين حصريًا في مجال استيراد قطع الغيار والذين بات عددهم اليوم يناهز 100 متعامل ينشطون في مجال العلامات المعروفة على غرار "رونو" و"بيجو" و"فولسفاغن" والسيارات الآسيوية."
ووفقه فإنّ "توقيف استيراد المركبات وبعدها إلزامية مستوردي قطع الغيار بالمرور عبر المنصة الرقمية لوكالة "ألجاكس" خلق ندرة غير مسبوقة في السوق وألهب الأسعار بشكل قياسي."
ويشدّد المتحدث على أنّ من الأسباب الأخرى التي أدت إلى ارتفاع أسعار قطع غيار المركبات في السوق الجزائرية، "ارتفاع سعر الشحن البحري بعد فترة كورونا وخلالها، حيث لم تعد الأسعار إلى سابق عهدها إلّا مؤخرًا إضافة إلى ندرة قطع الغيار وارتفاع سعرها في السوق العالمية، ناهيك عن شطب عدد كبير من المستوردين من قائمة وزارة التجارة بسبب عدم امتثالهم للخطة التنظيمية الجديدة التي انتهجتها الوزارة لتأطير الاستيراد."
ويرى المتحدث أن أزمة قطع غيار السيارات بدأت مؤخرًا بالتلاشي بعد منح رخص استيراد جديدة، مستدركًا: "أهم قطع الغيار التي تشهد ندرة في السوق الجزائرية إلى اليوم هي تلك المرتبطة بعلامات السيارات الأوروبية على غرار "بيجو" و"رونو" و"فولغسفاغن"، في حين تشهد العلامات الآسيوية انفراجًا نسبيًا".
30 متعاملًا
يقول رئيس بورصة المناولة، كمال أقسوس، في تصريح لـ"الترا جزائر" إنّ "النهوض بقطاع المناولة في الجزائر يفرض العمل على تطوير صناعة قطع الغيار محليًا والإنتاج داخليًا لاسيما ما يتعلق بأجزاء السيارات"، مبشرًا في هذا السياق بوجود "30 مصنعًا هو عبارة عن وحدات إنتاجية مصغّرة شرعت في النشاط وباشرت العملية الإنتاجية منذ فترة قصيرة."
ويؤكد أقسوس أنّ هذه المصانع تنتج قطع غيار ذات جودة ومطابقة للنوعية المطلوبة، حيث تمت معاينتها من طرف بورصة المناولة، في حين أحصى وجود 100 مصنع إجمالًا في السوق الوطنية، وهي مصانع قادرة على التعامل مستقبلًا مع مصانع السيارات المنتظرة في الجزائر على غرار مصنع "فيات" لمجمع ستيلانتيس، الذي سيباشر الإنتاج شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل.
رئيس بورصة المناولة لـ"الترا جزائر": النهوض بقطاع المناولة في الجزائر يفرض العمل على تطوير صناعة قطع الغيار محليًا والإنتاج داخليًا
وأضاف أكسوس أن نجاح مشاريع مصانع قطع الغيار في الجزائر يفرض أيضًا الاستعانة بشركاء أجانب لمرافقة المتعاملين المحليين في مجال التكنولوجيا والآلات المتطورة والتقنيات العالية والجودة والنوعية، داعيًا المتعاملين المحليين إلى طلب شراكات أجنبية لاسيما لدى الدول المتطورة في هذا المجال على غرار ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
ويعتقد محدّث "الترا جزائر" أن تطوير صناعة قطع الغيار في الجزائر سيجعل منها قطبًا مُصدّرًا خلال بضعة سنوات نحو السوق الأفريقية، التي تحتل صدارة اهتمامات السلطات الجزائرية، وحتى الأوروبية من خلال دخول منتجات جزائرية أسواق إيطاليا وفرنسا ودول أوروبية قريبة أخرى.
انفراج ملحوظ
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي مراد كواشي أن قرار الحكومة بالسماح باستيراد قطاع الغيار، سيساهم في تحقيق الوفرة نسبيا نظرا للطلب الكبير على هذه القطع في السوق الوطنية.
وأوضح كواشي أنّ سوق قطاع الغيار في الجزائر عرف ندرة غير مسبوقة لسنوات، الأمر الذي تسبّب في ارتفاع أسعارها بنسبة 200 بالمائة ونقص في السوق خلال الفترة الماضية، مشيرًا إلى أن قرار تجميد استيراد قطع الغيار والسيارات لسنوات أثّر على الحظيرة الوطنية، التي باتت مليئة بالمركبات القديمة من جهة والمهترئة من جهة أخرى.
لذلك يمكن القول، حسب كواشي، إن حظيرة السيارات اليوم بحاجة ماسة إلى التجديد وإلى قطع الغيار الأصلية الموثوقة لصيانة وتصليح وضمان السيرورة نظرًا للكم الهائل من السيارات القديمة، التي تتدهور حالتها عامًا بعد عام والتي من شأنها أن تتسبب في ارتفاع حوادث المرور، خاصة وأن حالة الطرقات في الجزائر هي الأخرى تؤثر سلبًا على وضعية السيارات، وفقه.
كما أن حوادث العمل، يكمل الخبير الاقتصادي، تتفاقم هي الأخرى نتيجة اهتراء المركبات لذلك أرى أنّه من الضروري تحرك السلطات لمعالجة كل من ملف قطع الغيار والسيارات، من خلال إيجاد حلول جذرية ونهائية سواءً عبر السماح بالاستيراد أو تسهيل عملية التصنيع محليا.
وختم مراد كواشي بالقول: "هذه الملفات باتت تثير لغطًا في الجزائر كما أصبحت تؤرق حياة المواطن البسيط".