24-مايو-2024
الصحراء الجزائرية (تصوير: زكريا قجالي/Getty)

سائح في الصحراء الجزائرية (الصورة: Getty)

ينطلق بعد أيام قليلة موسم الاصطياف في الجزائر، الذي يعد أكثر فترة لجذب السياح، لذلك تعد له الحكومة برنامجا ومخططًا خاصًا كل سنة، وبالخصوص مع وضعها هدفا لاستقبال البلاد أكثر من 10 ملايين سائح بحلول 2030، وهو رقم قد يكون الوصول إليه سهلا بالنظر للمناظر الطبيعية التي تتوفّر عليها الجزائر، لكن واقع قطاع السياحة الذي ظل لسنوات مهملا يجعل المتابعين يتساءلون حول مدى قدرة الحكومة على ربح هذا الرهان.

رئيس الجمعية الوطنية "صدى الجزائر": مشكلة التأشيرات تظلّ العقبة الأولى أمام ارتفاع عدد السياح بالجزائر

ومع رفع الحكومة زيادة مداخيل البلاد المالية من قطاعات خارج المحروقات، ازداد الاهتمام بقطاع السياحة بوضع برامج لتنشيطه خاصة وأن مختلف التقارير الدولية المختصة تضع البلاد ضمن الوجهات المنصوح بزيارتها في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يجعل دخول أكثر من 10 ملايين سائح إلى الجزائر ممكنا، لكن بتوفير الشروط اللازمة لتحقيق ذلك.

هدف محدد

على غير العادة، حددت الحكومة هذه المرة الرقم الذي تستهدفه لتفعيل قطاع السياحة الذي ظل لسنوات خارج اهتمام السلطات، فقد أعلن وزير السياحة خلال نزوله  ضيفًا على منتدى صحيفة "المجاهد" الحكومية أن الجزائر ستستقبل أزيد من 12 مليون سائح أجنبي في آفاق 2030.

وأشار الوزير إلى أن الحكومة تستند في أهدافها على "المخطط المدير للتهيئة السياحية لآفاق 2030 ،الذي انبثقت عنه الإستراتيجية الوطنية للتهيئة السياحية التي ترتكز على خمس ديناميكيات لتطوير السياحة، ترمي أساسًا إلى الاستثمار وتحسين الخدمات وترقية الترويج وتطوير وسائل الاتصال  ووضع ترسانة قانونية للتسيير الجيد للقطاع".

وشدد رئيس الجمعية الوطنية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها عبد العزيز طلحي في حديثه مع "الترا جزائر" على أهمية تحيين التشريعات في الدفع بقطاع السياحة إلى الأمام، مشيرا في هذا السياق إلى مخطط الحكومة التوجيهي 2025 للسياحة، وقانون الاستثمار الجديد الذي يستثني قطاع السياحة من قاعدة  الاستثمار الأجنبي 51/49، وهو ما سيساهم في جذب المعاملين الاقتصاديين الأجانب لولوج المجال السياحي بالجزائر، إضافة إلى التسهيلات التي وضعت بشأن منح تراخيص الاستثمار والتوسع السياحي، وكذا تسهيل تمويل المشاريع المتعلقة بالسياحة.

ويربط وزير السياحة انتعاش قطاعه بضرورة"تعزيز الاستثمار السياحي من أجل رفع طاقة الإيواء"، حيث "تم  لحد الساعة اعتماد أزيد من 2200 مشروع سياحي مع وجود أزيد من 800 مشروع طور الانجاز".

وبين ديدوش أن قانون الاستثمار "يمنح المستثمرين في مجال السياحة تسهيلات لإنجاز مشاريعهم"، إلى جانب  الدور  المنوط  بـ"الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار والوكالة السياحية الخاصة بتسيير العقار"،  مشيرًا إلى "توفر 249 موقعًا للتوسع السياحي، تم من بينه تهيئة نحو 70 موقعًا وبرمجة 50 موقعا بغية تهيئته مستقبلا، من أجل وضعه في متناول المستثمرين لإنجاز  مشاريعهم في مختلف مناطق الوطن".

وحسب الإحصاءات المنشورة على موقع وزارة السياحة التي تعود إلى سنة 2022، فالحظيرة الفندقية للجزائر تضم 1576 مؤسسة إيواء، بطاقة استيعاب إجمالية قدرها 145526 سريرا، إضافة إلى وجود 4722 وكالة سياحة وأسفار معتمدة من بينها 3962 وكالة سياحية مركزية و760 فرعية توفر11506  منصب شغل.

ممكن ؟

يعتقد رئيس الجمعية الوطنية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها عبد العزيز طلحي أن الوصول إلى استقبال أكثر من 10 ملايين سائح في الجزائر ممكن التحقيق في آفاق 2030، مضيفًا في حديثه مع "الترا جزائر" أنه يعتقد أن الوصول حتى إلى 20 مليون سائح قبل هذا الموعد هدف يمكن تجاوزه بسهولة على مستوى المناطق الجنوبية للبلاد فقط، إن تمت معالجة مشكلة التأشيرات التي تظلّ العقبة الأولى أمام ارتفاع عدد السياح بالجزائر، إلا أن طلحي يبين في الوقت ذاته أنه يتفهم الأسباب التي تجعل السلطات تشدد في إجراءات منح التأشيرات، وبالخصوص بالنسبة للمناطق الشمالية.

وحسب تصريحات وزير السياحة، فقد استقبلت الجزائر السنة الماضية 3.3 مليون سائح بينهم 2.2 مليون سائح أجنبي، و1.1 مليون سائح من المغتربين الجزائريين.

ويرى الناشط السياحي عبد العزيز طلحي أنه لا أحد يمكن أن يخفي الانتعاش المسجل في قطاع السياحة، وبالخصوص بعد جائحة كورونا، إلا أنه يبقى بعيدا عن  الأهداف المنتظرة، وبالخصوص بعد الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة بشأن الانفتاح على السياحة الصحراوية، عقب تسهيل الحصول على الـتأشيرات وفتح خطوط جوية مباشرة نحو الوجهات الجاذبة بالجنوب الجزائري.

وتتطابق هذه الملاحظة مع تصريحات وزير السياحة مختار ديدوش الذي أشار إلى "الارتفاع  المسجل في عدد السياح الأجانب الذين زاروا الجزائر، لاسيما بمناطق الجنوب" بفضل "التسهيلات المتعلقة بالحصول على تأشيرة الدخول مباشرة  بعد نزولهم إلى المطار".

وينص المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية آفاق 2030 على جعل السياحة قطاعا مساهما في تنمية الاقتصاد وكبديل لقطاع للمحروقات، وضمان إشراك القطاعات الأخرى، كقطاع الأشغال العمومية، وقطاع الفلاحة وقطاع الثقافة، والتوفيق بين الترقية السياحة والبيئة، وتثمين التراث التاريخي، والثقافي والديني، وتحسين صورة الجزائر بصفة دائمة.

تحدي الخدمات

لا ينكر وزير السياحة أن  الخدمات المعروضة للسائح تحتاج إلى جهد أكبر، لذلك يشدد على ضرورة  "تنويع المسارات السياحية ودعم الاستثمار لتوفير مرافق الإيواء وفق المعايير المعمول بها دوليا إلى جانب تحسين الخدمات السياحية بترقية وتحيين التكوين وفق طلبات الزبائن وبناء وجهة سياحية بامتياز".

ويعتقد الناشط السياحي عبد العزيز طلحي أن فتح عدة فروع لمدارس متخصصة في المجال السياحي عبر مختلف ولايات الجزائر سيسهم لا محالة في تحسين الخدمات بالمؤسسات الفندقية الجزائرية، مؤكدا أنها تحسنت بكثير مقارنة بسنوات سابقة، إضافة إلى أنه يجب الانتباه إلى أن الخدمة السياحية تختلف من بلد إلى آخر لذلك  قد لا تتوفر بعض إجراءات "الإيتكيت" السياحية الموجودة في دول أخرى في الجزائر.

وبالنسبة لارتفاع الأسعار المسجلة بالفنادق الجزائرية، فيرى طلحي أنها محتكمة بالأساس لمنطق السوق الحرّ الذي يحكمه العرض والطلب، لذلك فإنه في ظل عدد الأسرة الموجود حاليا الذي لا يصل إلى 146 ألف تظل الأسعار مرتفعة، وستنخفض كلما ارتفعت طاقة الاستيعاب التي تبقى مرهونة بحجم الاستثمارات التي سيشهدها هذا القطاع بمختلف المناطق.

وشكل هذا الموضوع جانبًا من اجتماع مجلس الوزراء المنعقد الأربعاء الماضي خلال التطرق للتحضيرات لموسم الاصطياف 2024 وترتيبات استقبال أفراد الجالية، حيث أمر الرئيس تبون بتنصيب لجنة وطنية لتسهيل الاستثمار، في هياكل سياحية جديدة، خاصة بالمناطق الساحلية التي تعرف نقصا في هذه الهياكل، وتتوفر بها الشروط السياحية الطبيعية، ومراجعة الأسعار، لجعلها في متناول العائلات الجزائرية تقويةً وتشجيعا للسياحة الداخلية، إضافة إلى التطبيق الصارم للقانون، ضد كل أشكال السمسرة الموسمية بالشواطئ وتكريس الاحترام التام، لمبدأ مجانيتها عبر كلّ السواحل الجزائرية. 

ويرى الناشط السياحي عبد العزيز طلحي أن تنشيط  القطاع السياحي ينطلق بداية من السياحة الداخلية وإنعاش سوقها، ثم استهداف السائح العربي والأفريقي بالنظر لتشابه العادات وتفهمه للضوابط التي توجد في الجزائر مقارنة بما هو موجود في دول أخرى.

يرى الناشط السياحي عبد العزيز طلحي في حديث إلى "الترا جزائر" أن تنشيط  القطاع السياحي ينطلق بداية من السياحة الداخلية وإنعاش سوقها

في السنوات الأخيرة، لفتت المواقع السياحية الجزائرية اهتمام الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي سواء الجزائريين أو الأجانب بالنظر لبقائها لسنوات خارج الأضواء، وهو ما جعلها تصنف من عدة تقارير دولية متخصصة ضمن أفضل الأماكن المنصوح بزيارتها، الأمر الذي قد يكون دافعًا للحكومة لتسريع عجلة قطاع السياحة وجعله مساهما في الناتج الداخلي الخام بمستوى يتعدى نسبة 1.4 بالمئة  المسجلة حاليًا، وهو الهدف الذي يراه المختصون في المتناول في حال توفرت الإرادة الحقيقية للاستفادة من الإمكانات السياحية للجزائر.