يحرص الجزائريون على التضامن مع القضية الفلسطينية بمختلف الطرق المتاحة، ومنها السعي إلى جعل القضية حيّة على الدوام في الوجدان الجزائري من خلال إطلاق أسماء متعلقة بالقضية على أماكن ومحلات تجارية وأفراد من العائلة، وبالخصوص في ظلّ التطورات الصعبة التي تحدث هذه الأيام في غزة.
الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي: اختيار الأسماء المرتبطة بفلسطين اعتراف ضمني بوجودها وتعريف بقضيتها ورموزها
ويحظى الاسم في المخيال الجزائري بأهمية كُبرى كونه يعبّر عن الانتماء للعائلة والعرش والدين ومختلف الجوانب المتعلقة بالهوية، لذلك فإنّ تسمية أفراد أو أماكن بأسماء مرتبطة بفلسطين تعكس الأهمية التي تحظى بها قضية المسلمين والعرب الأولى عند الجزائريين.
أضعف الإيمان
ببلدية الدار البيضاء شرق العاصمة الجزائر، التقى "الترا جزائر" مصطفى وهو يجري التحضيرات الأخيرة لمخبزته التي ستُباشر نشاطها في الأيام المقبلة، والتي ستحمل اسم "مخبزة القدس"، الذي استقر عليه في الأخير بعدما كان محله سيحمل اسمًا آخر.
وقال مصطفى لـ"الترا جزائر" إن الأوضاع المأساوية، التي تحدث في غزة جعلته كجميع الجزائريين يتأثر بشكل كبير يحتم عليه القيام بأي فعل يخرجه من حالة عدم الاكتئاب بسبب عدم القدرة على تقديم المساعدة، فاهتدى إلى أن تكون "مخبزة القدس" الاسم التجاري والمعنوي لنشاطه، كخطوة لإبقاء القضية الفلسطينية حيّة في الوجدان الجزائري، معتبرًا أن هذا الفعل الذي قام به حتى وإن كان بسيطًا، إلّا أنه على الأقل يُشعِره بأنه قام بما تتيح له الظروف مساعدة أشقاءه في أرض المقدس.
وما قام به مصطفى يتكرّر في مناطق مختلفة من العاصمة ومن الجزائر، سواء تعلق الأمر بأماكن خاصة أو عمومية، فنجد على سبيل المثال مدرج فلسطين بكلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر 3، وساحة القدس ببلدية حيدرة.
وفي ولاية تبسة، ما تزال بلدية الحمامات تُعرَف عند أبناء المنطقة باسم "صبرا وشتيلا" توثيقًا للمجزرة التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني عام 1982 ضد مخيم صبرا وشتيلا للاجئين الفلسطينيين بلبنان.
واعتبر الباحث في علم الاجتماع، توفيق عبيدي، في حديثه مع "الترا جزائر" أن هذا السلوك أمر منتظر بالنظر إلى أن "الشعب الجزائري كَبِرَ على مبادئ وقيم حبّ فلسطين والعداء للاحتلال الصهيوني."
وأبرز عبيدي بأنّ "هذه الأسماء لها خلفيات تاريخية وذات دلالات قومية (عربية وإسلامية)، فهي ترتبط بجوانب عدة اجتماعية وثقافية وكذلك سياسية. إنها تأكيد على أن القضية الفلسطينية قضية جوهرية ومركزية بالنسبة للجزائر شعبا وحكومة، وتؤكد تعلق الجزائريين بالقضية الفلسطينية ومساندتها ودعمها بمختلف الطرق والأساليب".
نوع من المقاومة
في شارع أحمد زبانة بالجزائر الوسطى بالعاصمة، يفتح "مطعم غزة" كل يوم أبوابه للزبائن الجزائريين والعرب منذ خمس سنوات، حينما قرّرت زوجة الفلسطيني عماد الوزير صاحب المطعم، وهي جزائرية أن تكون غزة التي عاشت بها لمدة 23 سنة اسمًا لاستثمار عائلتها بالجزائر.
وقال عماد الوزير لـ"الترا جزائر" إن "زوجتي الجزائرية صممت أن يحمل مطعمنا الذي يُقدّم مختلف الأكلات الفلسطينية اسم غزة، بالنظر إلى أنها تريد أن تحرِص على أن تبقى السنوات التي عاشتها في غزة حاضرة على الدوام في حياتها ووجدانها، لقد كان هذا اختيارها، وليس طلبا أو اختيارا مني".
وأضاف أن لكل واحد طريقة في المقاومة والتعريف بالقضية الفلسطينية تختلف حسب ظروفه وما هو متاح له، مبينًا أنّه حريصٌ في مطعمه على تقديم مختلف الأطباق الفلسطينية التقليدية، بالنظر إلى أن الطعام وسيلة مهمة في التعريف بثقافة الشعوب والإبقاء على قضاياهم حيّة، وهو الأمر المطلوب منا كفلسطينيين، وبالخصوص لما يكون في مجتمع كالجزائر الذي يساند فلسطين بلا شروط وبلا مقابل.
تفاعل مع الأحداث
انتقل تأثر الجزائريين بما يحدث في فلسطين إلى تسمية أبنائهم برموز فلسطينية، ففي القرن الماضي كانت أسماء جهاد ونضال وعرفات وياسر من الأسماء التي يطلقها الجزائريون على أبنائهم، وفي القرن الجديد أطلق عدد كثير من الجزائريين اسم ياسين على فلذات أكبادهم نسبة لأحمد ياسين الرئيس الراحل لحركة "حماس"، الذي اغتاله الاحتلال عام 2004، وعبيدة نسبة للناطق باسم كتائب عز الدين القسام أبو عبيدة.
وأوضح الباحث في علم الاجتماع توفيق عبيدي هنا أنّ "إطلاق أسماء فلسطينية على الأبناء تعتبر خطوة في غاية الأهمية، فمن جهة تعتبر شكلًا من أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق ومن جهة أخرى تساهم في الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية وبقائها حيّة في نفوس الأجيال، وتبقى تسميات هذه المدن والرموز في الذاكرة، في ظل المحاولات والحملات البائسة للاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى بكل الوسائل لتشويه وطمس كل ما هو فلسطيني بتزييف الذاكرة وتحريف التاريخ".
وبيّن عبيدي أن "هذه الأسماء تشجّع أصحابها على البحث والاهتمام بمعرفة معلومات أكثر عن تاريخ فلسطين، والمدن والقرى التي تعمل "إسرائيل" على تهويد الكثير منها بإطلاق أسماء عِبْرِيَة عليها بدلًا من أسمائها العربية الأصلية، وهنا تشكل معاني الأسماء دافعًا قويًا لحامليها للبحث والاطلاع، وبالتالي معرفة أصل هذه الأسماء وحقيقة هذه القضية، ومنه تقوية روابط التمسك بها ومشاركة الأجيال القادمة في حفظ وصياغة التاريخ".
وأشار عبيدي إلى أن "هذه التسميات الفلسطينية في الجزائر للأماكن والأشخاص تزداد كلما كانت التطورات في فلسطين ساخنة"، حيث "يزداد الاهتمام الشعبي بالقضية الفلسطينية وبكل تفاصيلها كلّما تجدّدت الحرب وتصبح موضوع الساعة لدى غالبية الناس."
ليختم: "اختيار الأسماء المرتبطة بفلسطين اعتراف ضمني بوجودها، ويساهم في التعريف بالقضية الفلسطينية ورموزها فهو دلالة عن الهوية الجماعية ويجسد عمق العلاقات الأخوية التاريخية بين الجزائريين والفلسطينيين عبر التاريخ".