12-يونيو-2024
.

(الصورة: فيسبوك)

يُعَدّ الكاتب الجزائري الشاب أبو بكر حمادي (1989) من بين الأقلام المُلفِتة التي تؤثث -على استحياء - المشهد الأدبي المُعرّب في الجزائر، وتخالف ثيماته الكتابية، في الوقت الذي تهيمن فيه نفس الأسماء على ما يستقبله القارئ الجزائري كل عام من إصدارات.

ولد أبو بكر حمادي في مدينة عين يوسف بولاية تلمسان غرب الجزائر، من هناك، انطلق في اتباع شغفه الكتابي من خلال بيئة حكواتية خصبة أثثتها العائلة والتقاليد والعادات، إضافة إلى الزخم الثقافي للمنطقة، فاهتمَّ كثيرا بالتقاط وسرد قصص الميثولوجيا والخرافة وتوظيفها في كتاباته.

ولد أبو بكر حمادي في مدينة عين يوسف بولاية تلمسان غرب الجزائر، من هناك، انطلق في اتباع شغفه الكتابي من خلال بيئة حكواتية خصبة أثثتها العائلة والتقاليد والعادات، إضافة إلى الزخم الثقافي للمنطقة، فاهتمَّ كثيرا بالتقاط وسرد قصص الميثولوجيا والخرافة وتوظيفها في كتاباته.

غاب بكر حمادي عن الكتابة لسنوات لالتزامات شخصية، لكنّه عاد إلينا اليوم بإصداره الجديد " أنا أُدعى ليبرا"  الذي يعد ثاني كتبه بعد مجموعته القصصية الأولى "عرس بابا" عن دار بوهيما التي خاض من خلالها تجربة النشر لأول مرة، حيث أصدرت هذه الدار عددا من المُنجزات الأدبية المهمة في الكتابة والترجمة قبل توقفها عن النّشاط.

يشتغل بكر حمادي حاليا كمعالج نص وسيناريو في  وكالة "أوكسجين برود" المختصة في تنظيم الفعاليات الثقافية والموسيقية.

وصلت " أنا أدعى ليبرا" إلى القائمة الطويلة لجائزة كاتارا عن فئة روايات الفتيان، وبهذه المناسبة، آثرنا الحديث مع هذا الكاتب الشاب عن هذه الرواية، وعما ألهمه لكتابتها، إضافة إلى آرائه المختلفة في المجال الأدبي، الكتابة، وتأثير البيئة والعائلة على عطاء الكاتب وإصداراته.

حدثنا عن روايتك "أنا أُدعى ليبرا"؟

تحكي الرواية  قصة "ليبرا" الفراشة الذهبية التي تعيش في إقليم يوننان الصيني. 

تبدأ القصة بتنبؤات عن كارثة طبيعية وشيكة في جزيرة مدغشقر، تُعزى إلى رفرفة أجنحة الفراشات في الصين، مدفوعة بروح المغامرة والمسؤولية، تقرر "ليبرا" الهجرة في رحلة شاقة مليئة بالتحديات لمحاولة إيقاف الكارثة. 

تتناول الرواية موضوعات مختلفة مثل الحفاظ على البيئة، الشجاعة، والصداقة، وتطرح تساؤلات فلسفية حول علاقة البشر بالطبيعة والكائنات الأخرى. 

كيف عدت من خلال هذا الإصدار إلى الكتابة؟

بالنسبة لي، لم تكن الكتابة يومًا محطة أتوقف عندها لأعود إليها لاحقا.

 خلال الفترة التي لم أنشر فيها على صفحتي على الفيسبوك، كنت أكتب باستمرار وأحتفظ بالكثير من المحاولات التي قد تتطور مستقبلا أو أتخلى عنها تماما. 

 فكرة "أنا أُدعى ليبرا" وليدة الأحداث الأليمة التي أصابت الوطن العربي، خاصة الشعب الفلسطيني الذي أرغم العالمَ على احترامه والوقوف مع القضية رغم كل ما حدث من تعتيم وتزوير.

بعض أجزاء النص كانت مكتوبة قبل سنوات، قررت تطويرها ومعالجتها لتتلاءم مع موضوع القصة. اخترت اسم ليبرا ليعبّر عن الأمل والمقاومة من أجل الحرية، واتخذت من أثر الفراشة ثيمة للقصة، وكيف يمكن لرد فعل بسيط أن ينتج عنه سلسلة أحداث كبيرة متتابعة.

كيف فكرت في المشاركة في كتارا؟

ما حفزني للمشاركة في مسابقة كتارا هو وجود صنف خاصّ بأدب اليافعين. كتبت الرواية بأسلوب يناسب هذه الفئة، أرى في ذلك فرصة شخصية للعودة إلى فترة سابقة ومحاورة نفسي بآليات العقل المراهق، لعلها تشفع عن مرحلة عشتها، كانت مليئة بالأخطاء الطائشة والتصورات الضيقة.

هل الانقطاع عن الكتابة لمدة طويلة يمنحنا فرصة لمراجعة أسلوبنا، طريقة كتابتنا، أفكارنا وتوجهاتنا في الحياة؟

تتشابك الكتابة من وجهة نظري مع العديد من الممارسات اليومية. يمكنني التعبير عن فكرة أو حدث من خلال الكتابة أو بطرق أخرى مثل الحكيْ، المونولوغ الداخلي وحتى الصمت.

عندما ننقطع عن الكتابة لفترة، نجد فرصة للتأمل في أسلوبنا ولغتنا، مما يتيح لنا مراجعة ما كتبناه سابقا بعيون جديدة وفهم أعمق.

هذا هو التداعي الحرّ، حتى وإن لم تترجم الأفكار إلى مادّة مكتوبة مقيّدة، تتخمر في العقل وتنتظر اللحظة المناسبة لتخرج ناضجة ومتكاملة.

يمنحنا الزمن القدرة على إعادة النظر في أفكارنا ورؤية الأمور من زوايا متعددة، ومحاولة إثراء تجربتنا الكتابية بشكل أفضل.

 كيف ترى وضع الكتابة الأدبية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة؟

بصراحة، لستُ مخوّلًا للحديث عن الكتابة الأدبية في الجزائر بشكل دقيق، إلا من خلال ما أتيح لي الاطلاع عليه.

 يمكنني القول بأنّ جلّ أصناف الأدب في الجزائر ظلّت خاضعة لتأثير التحوّلات التي طرأت سياسيا من فترة الاستعمار إلى غاية العشرية السوداء، والبعض الآخر منها استلهمت موادّه من مختلف القضايا الاجتماعية، الصراعات الثقافية والدينية.

 قد نسعد بظهور أسماء شابّة لامعة في الرّواية، المسرح، والشعر. لكن ما يؤسفني حقا أن قيمة الجزائر، بإرثها، بثرائها الثقافي، لم يُستغل بالكامل في الأدب، ولم نشهد تجسيدا كافيًا لمظاهر المدينة والرّيف، اللغة والتنوع الثقافي في معظم الإصدارات الأدبية.

أين أنت من الصحافة وكتابة المقالات اليوم؟

لا أملك تجربة واسعة في الصحافة، حيث كتبت فقط بعض المقالات القصصية هنا وهناك. 

أعتقد أنني أميل إلى الكسل وأتجنب الالتزامات الكبيرة. أقرأ أعمال العديد من الصحفيين المميزين وأشعر بأنني لا أنتمي لهذا المجال، لذلك أفضل البقاء كمتابع.

كنت قد خضت تجربة النشر في الجزائر من خلال دار بوهيما التي عرفتنا على تجارب أدبية مهمة.كيف كانت هذه التجربة؟ هل تندم على اقتحام هذا المجال؟ وما الذي تعلمته من هذا المشروع بصفتك كنت كاتبا قبل ذلك؟

تجربة النشر من خلال دار بوهيما كانت مميزة ومثرية للغاية. لم أندم على اقتحام هذا المجال، فقد أتاحت لي الدار فرصة للتعرف على تجارب أدبية مهمة واكتشاف تحديات الإدارة بشكل عام. بالرغم من أن تجربة بوهيما لم تستمر طويلًا وتوقفت مؤقتًا بسبب بعض العراقيل المعروفة إلا أني مدرك أن شخصا واحدا لا يمكنه تغيير منظومة عملاقة مسؤولة عن النهوض بصناعة الكتاب.

ما استخلصته من هذا المشروع هو أننا جميعًا نتحمل جزءًا من المسؤولية عن مشاكل النشر، استسهال الكتابة، ونوعية القراء. نحن بحاجة لفهم أدوار كل وسيط في هذه العملية. للحصول على قارئ جيد، يجب أن يتوفر كاتب ممتاز، ناشر كفء، مكتبة حقيقية، بالإضافة إلى الظروف الملائمة للطباعة والشحن والتوزيع.
 هل تعتقد أن العمل في مجالات مختلفة بعيدا عن الكتابة يعطيك تجارب مهمة قد تكتب عنها لاحقا؟ 

بالتأكيد، ليس فقط العمل وإنما تجربة التواصل مع أشخاص من خلفيات متعددة خارج الدوائر التي عهدت التعامل معها. خلال جائحة كوفيد، شغلت منصبًا في مؤسسة متخصصة في توصيل المنتجات عبر المتاجر الإلكترونية، وهو مجال لم أكن على دراية به، خصوصًا إدارة المخزون. كما أن الاحتكاك بأكثر من مائة مندوب توصيل أتاح لي سماع العشرات من القصص الفريدة التي تستحق أن تُروى.

بعد ذلك، وجدت نفسي في مؤسسة أوكسيجن، انخرطت في كتابة سيناريوهات ومضات إعلانية، إعداد تقارير، ومعالجة بعض السيناريوهات لمشاريع سينمائية قصيرة. هي توليفة جميلة كنت أبحث عنها من سنوات.

يهتم أبو بكر حمادي بالعائلة وبمسقط الرأس من خلال ما نراه في كتابته وحديثه، هل تلهمك تفاصيل الحياة مع الوالدين وحكاياتهما عن الماضي والحاضر في ما تكتبه؟

والدي حكّاء بطبعه، إنسان اجتماعي ويحفظ الكثير من القصص التي عاشها وسمعها في الماضي. في طفولتي، كنت أستخف بهذه التجارب، لكن مع الوقت بدأت أرى في كل كلمة يحكيها مادة غنية تحفزني على الكتابة. حتى والدتي، التي تسمع الحكايات المكررة منه، تصغي إليه باهتمام وتذكره ببعض التفاصيل التي نسيها مع مرور الزمن. نشأت في عائلة تهتم ب 'القوال'، وتحرص على إقامة 'الحلقة' بعد كل وجبة عشاء، وإلقاء النكات والمواعظ، يشغل بالي الكثير من المشاريع التي أتمنى تحقيقها على أرض الواقع. ما أريد قوله للفاعلين في المشهد الأدبي ولكتاب السيناريو خاصّة هو أن القصص تحيط بنا، هنا بالقرب منا، لذا لا ينبغي البحث بعيدًا.

ما أهمية مشاركتك ككاتب شاب جزائري في المسابقات الأدبية؟

الأمر يعتمد على رؤية الكاتب وأهدافه، قد يختار البعض التركيز على الوطن والتعبير عن قضاياه، بينما يختار آخرون الكتابة عن التجارب الإنسانية العامة. 

ليس هناك خيار صحيح أو خاطئ. أنا أكتب لنقل تجاربي وأفكاري من بيئتي الصغيرة إلى العالم، بعيدًا عن الضغط. هذا لا يمنعني من الافتخار بتمثيل بلدي في المسابقات الأدبية. 

تمنحني المشاركة فرصة لرفع علم الجزائر بفخر، مثلما يفعل الرياضيون والعلميون في مختلف المسابقات.

 إنها ليست فقط لتحقيق النجاح الشخصي، بل لتأكيد حضور الجزائر الدائم.

مشاريعك؟

مع نهاية السنة، سأتفرغ لإتمام رواية استغرقت وقتًا طويلاً في جمع معلوماتها وتقصي أحداثها التاريخية الحقيقية. 

أخيرا، ستكون لي فرصة للقاء ابن بطل القصة الذي لم يعرف أباه من قبل. بالإضافة إلى ذلك، أعمل حاليًا على سيناريو فيلم جزائري طويل بالتعاون مع صديق أثق في قدرته على إنجاح هذا المشروع.