24-مايو-2024
طالب عبد الرحمان (الصورة: ذاكرة الشعب)

الأسبوع الماضي في عيد الطالب دشّن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون القطب الجامعي العلمي والتكنولوجي بسيدي عبد الله غرب العاصمة الجزائر، والذي حمل اسم الشهيد وعالم الفيزياء النووية عبد الحفيظ إحدادن، الذي كان الأول في الجزائر وأفريقيا في مجاله، ولكن لم يكن "العالم" الوحيد في الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي بل وجد آخرون أمثل طالب عبد الرحمان.. فمن يكون؟

قال طالب عبد الرحمان لجلاديه قبل إعدامه: يطالبون برأسي من جديد وللمرة الثالثة، لكن، يا سادة، صدقوني قرار إعدامي الثالث لن يخيفني أبدًا

بعد قيام الطلبة الجزائريين في الـ19 ماي 1965، بإضراب عام وتركهم مقاعد الدراسة والالتحاق بصفوف الثورة في الجبال والمدن، تدعم جيش التحرير بطاقات و"عقول" في شتى مجالات العلوم كالطب والتمريض والهندسة والكيمياء، ما جعله يتطوّر على صعيد المجندين، فوجد المثقفون والنخبة الذين أدّوا أدوارا بارزة بالسلاح والسياسة أيضًا.. وكان أحد هؤلاء الذين تدعمت بهم الثورة طالب عبد الرحمان الطالب الذي لبّى واجب الثورة وتحول خلال بضع سنوات إلى مرعب الجيش الفرنسي.

طالب عبد الرحمان.. من يكون؟

وقبل أن يلتحق طالب عبد الرحمان بالجامعة، ويذيع صوته في أوساط المناضلين وفي أوساط العدو الفرنسي أيضًا، تلقى تعليمه الأول في المرحلة الابتدائية بمدرسة "ساروي" بحي سوسطارة بالجزائر العاصمة، ثم انتقل إلى المرحلة المتوسطة ودخل متوسطة "جينام"، وبها بدأت ميلوه العلمية تظهر بوضوح خاصة نحو الفيزياء والكيمياء، ثم تابع دراسته الثانوية بعد أن نال شهادة الأهلية، بحسب ما استقته "التراجزائر" من صفحة المتحف الوطني للمجاهد.

تابع الشهيد دراسته الابتدائية في مدرسة "ساروي" بحي سوسطارة الشعبي وبعدها متوسطة "جينام " حيث أبدى فيها تفوقًا ملحوظًا وحاز على الشهادة الابتدائية والأهلية.

وبعد نجاحه في شهادة البكالوريا، درس في المؤسّسات الخاصّة حيث تعلم اللغة الألمانية وأتقنها في سنة 1951، ثم نجح في امتحان الدخول إلى الجامعة وسجّل في كلية العلوم للتحضير ومتابعة دراسات عليا في الكيمياء بجامعة الجزائر، بعد أن رفض الذهاب إلى فرنسا لمتابعة دراسته هناك، حيث آثر البقاء في الوطن من أجل الدراسة والنضال فيما بعد مع إخوانه المجاهدين الجزائريين.

ووفق معلومات ذكرها متحف المجاهد (حكومي) في توثيقه لهذا البطل الجزائري، ذكر أنّ طالب عبد الرحمن ولد في الخامس آذار/مارس 1930 في حي القصبة بالجزائر العاصمة بشارع سيدي رمضان، تربى في أحضان عائلة متواضعة بسيطة كغيرها من العائلات الفقيرة التي ضحت بالنفس والنفيس من أجل جزائر الحرّية والسيادة.

كيميائي الثورة.. كيف التحق بالكفاح المسلح؟

وحول قصته مع النضال والكفاح المسلح، الذي انطلق عام 1954 عبر ربوع البلاد، لم يتخلّف طالب عبد الرحمان عن الموعد وكان حاضرا بعبقريته في الكيمياء، حيث وظف ذلك لصالح الثورة مع بداياتها، من خلال اتصاله بقيادة الولاية الثالثة وذلك بوساطة أحد أصدقائه، فعرض على القيادة مشاريعه لتنظيم خلية صنع متفجرات وبموافقة القيادة أنشأ مختبرًا في "5 شارع ليزواف" من أجل تزويد المجاهدين بقنابل متفجرة وهذا المخبر كان يموله جيش التحرير الوطني، كما قدم خدمات عديدة حيث استغل معارفه شبه الطبية للحصول على الحقن ومداواة المواطنين الذين يتعرّضوا لاعتداءات من قبل الجيش الاستعماري الفرنسي.

وذكر موقع المدرسة العليا للأساتذة بالأغواط التي تحمل اسمه أنّ "طالب عبد الرحمان ولد بالجزائر العاصمة لعائلة تنحدر من مدينة أزفون بولاية بجاية في منطقة القبائل، وبعد اندلاع الثورة التحريرية التحق بجبهة التحرير الوطني سنة 1955 لينشط بمنطقة أزفون (بجاية) الولاية العسكرية الثالثة، وساعد في صنع متفجرات بوسائل تقليدية، ليقوم بعد ذلك بإنشاء مخبر لصناعة المتفجرات في منطقة الأبيار بمدينة الجزائر، ثم التحق بالمجاهدين ليواصل نضاله العسكري بالشريعة  (البليدة) المنطقة الرابعة.

الطالب "صانع" القنابل

وأوردت مصادر تاريخية أنّ في الـ 19 آذار/ماي 1956 شارك الشهيد طالب عبد الرحمان في الإضراب العام للطلبة وتخلى عن متابعة دروسه حيث كرس وقته وطاقته للمخبر من أجل القضية الجزائرية، وهو ما شكل دعمًا حقيقيًا ولافتًا للثورة عبر دعمها بالمتفجرات التي كانت يصنعها رفقة رفاقه.

وفي العام 1956 توسعت المخابر الكيمياوية لصناعة المتفجرات وأدمج عبد الرحمن طالب في فرقتين تتكوّن الأولى من رشيد كواش وعناصر أخرى تعمل بالأبيار بالجزائر العاصمة، أما الفرقة الأخرى فتعمل في شارع "جرينات"، حيث كانت الوسائل جدّ قليلة وبسيطة لصناعة القنابل والمتفجرات منها أسلاك حديدية، منبهات، قطع خشبية، قارورات، بالإضافة إلى تجهيز متواضع للمخابر ورغم ذلك فقد جرّب طالب عبد الرحمن خليطًا جديدًا، لم يكن مستعملًا من قبل.

شهيد المقصلة.. ماذا قال قبل إعدامه

في الـ 15 من تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، حدث انفجار "بفيلا الورود" أدّى إلى وفاة رشيد كواش الشيء الذي سمح للسلطات الاستعمارية باكتشاف المخبر الموجود "بالأبيار" وبهذا تأكّدت مصالح الأمن الفرنسية أن القنابل من صنع أيادي جزائرية فقامت بفتح تحقيق في الموضوع بالتركيز على الطلبة الدارسين بكلية العلوم وعن طريق مراجعة ومراقبة دفتر الحضور تأكّدت السلطات الفرنسية من علاقة طالب عبد الرحمن بالمخابر الكيمياوية. بهذا قرر الشهيد الفرار من الجهاز البوليسي الذي كان يطارده، حيث التحق بمجلس الولاية الرابعة وباشر عملياته العسكرية الأولى كملازم في صفوف جيش التحرير الوطني بمتيجة وأقام قيادته العامة بجبال"شريعة".

وحسب ما وثقه متحف المجاهد  "ألقي القبض على البطل عبد الرحمان طالب في كمين نصبته القوات الاستعمارية الفرنسية عندما كان متوجهًا إلى البليدة، وفي 13 تموز/جويلية 1957 أذاقه جلادو الاستعمار أشد أنواع التعذيب والتنكيل بـ "حوش برين" ثم بالأبيار والجزائر العاصمة ولم تتحصل السلطات الاستعمارية على أية معلومات حيث تحمل الشهيد مسؤولية كل العمليات والاغتيالات التي استعملت فيها القنابل، بعد ذلك سجن بسجن "بربروس" وحكم عليه بالإعدام للمرة الثالثة وفي 24 أفريل/أبريل/نيسان 1958 وعلى الساعة الثالثة أعدم في ساحة السجن الشهير"بربروس".

كما ذكر موقع المدرسة العليا للأساتذة (طالب عبد الرحمان) بالأغواط أنّ "طالب عبد الرحمان تم إلقاء القبض عليه في منطقة البليدة من طرف القوات الفرنسية يوم 5 جوان/يونيو1957، وتعرض لمختلف أشكال التعذيب والقهر أثناء استجوابه ولكنّه لم يبح بأي معلومة للعدو الفرنسي، إلى أن قامت فرنسا عن طريق السفاح فرناند ميسوني بإعدامه بالمقصلة في 24 أفريل/نيسان 1958 في سجن بربروس بالجزائر العاصمة.

وفي السياق ذاته، جاء في تصريح سابق مع وكالة الأنباء الجزائرية للباحث في التاريخ  محمد رباح، الذي يعرف طالب عبد الرحمان وعائلته، أنّ "طالب عبد الرحمن، تخصص، في تعليمة من قادة الثورة خلال الثورة، في صناعة القنابل بمنطقة الجزائر العاصمة المستقلة وهذا ما شكل رعبا للقوات الاستعمارية."

 ويروي رباح أنّ "طالب عبد الرحمان الذي صدرت في حقه ثلاث قرارات بالإعدام، وبعد وشاية به، سقط عام 1957 في كمين نصبه مظليو الجيش الاستعماري الذين جعلوه يعاني من ويلات العذاب، فكانوا كل مساء، يجردّونه من ملابسه ويقومون بدفنه بالثلج حتى يغطي رأسه، ثم يتم إخراجه بعد ذلك في الصبح الباكر".

وممّا يروى عن طالب عبد الرحمان أو محند آكلي (اسمه المستعار الثوري) أنّه خاطب الإمام الذي عينته الإدارة العسكرية الفرنسية لقراءة الفاتحة خلال إعدامه بجملة صارت من الأقوال "الخالدة" في صفحات الثورة الجزائرية وقال: "خذ سلاحًا والتحق بالجبل"، وبعد أشهر من ذلك، انضم الإمام إلى صفوف الثورة واستشهد في إحدى معاركها. كما قال لجلاديه: "يطالبون برأسي من جديد وللمرة الثالثة، لكن، يا سادة، صدقوني قرار إعدامي الثالث لن يخيفني أبدًا".

أذاقه جلادو الاستعمار أشد أنواع التعذيب والتنكيل بـ "حوش برين" ثم بالأبيار والجزائر العاصمة ولم تتحصل السلطات الاستعمارية على أية معلومات

يوجد قبر الشهيد طالب عبد الرحمان الذي رحل عن عمر 28 سنة بمقبرة العاليا بالعاصمة الجزائرية، وقد كتب على شاهد قبره " هنا يرقد الشهيد طالب عبد الرحمان الطالب الكيميائي".