22-مايو-2024
لقاء الرئيس بالأحزاب

لقاء الرئيس بالأحزاب (الصورة: فيسبوك)

للمرّة الأولى يستدعي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأحزاب السياسية الجزائرية بمختلف أطيافها إلى اجتماع قبل أقل من شهر من استدعاءه الهيئة الناخبة تحسبا للانتخابات الرئاسية المنتظر تنظيمها في الـ 7 سبتمبر/ أيلول المقبل.

منذ انتخابه في نهاية 2019 عقد الرئيس تبون ما يقارب 40 لقاءً منفرداً مع قادة الأحزاب من مختلف الطيف السياسي في البلاد

هذا الاجتماع الذي يعدّ مبادرة شخصية من الرئيس تبون، يأتي في سياق سياسي واجتماعي، إذ يسعى الرئيس من وراءه إلى لملمة الأحزاب السياسية الممثلة في المجالس الوطنية والمحلية المنتخبة " إيمانا منه بفضائل الحوار والتشاور في المسائل ذات المصلحة الوطنية والانفتاح على مختلف القوى السياسية والمجتمعية الحية"، حسب ما جاء في بيان تلقته الأحزاب وحصلت " الترا جزائر" على نسخة منه.

نُضج سياسي

من جانبه الإجرائي، فإن الاجتماع يدخل في إطار العمل بأحكام الدستور والقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، إذ ستشكل هذه المبادرة "سانحة لاستعراض مختلف القضايا المتعلقة بالشأن العام الوطني، لاسيما على ضوء الاستحقاقات السياسية الهامة المقبلة، فضلاً عن الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة".

ويبدو أن الدافع الأساسي لهذه الخطوة السياسية الكبرى والفريدة من نوعها منذ اعتلاء الرئيس تبون كرسي الرئاسة، محاولة استهداف ترقية الممارسة السياسية المبنية على "تكريس متجدّد للنهج القائم على قاعدة الحوار والتشاور"،حسب المصدر، واعتباره أيضا "مناسبة لاستعراض مختلف الانشغالات والاقتراحات التي تودّ الطبقة السياسية إبداءها".

وفي السياق نفسه، أفاد البيان بأن الاجتماع يعتبر "تجسيداً لنُضج التجربة الديمقراطية في الجزائر وذلك ما يتناسب مع بناء الجزائر الجديدة كما سيبقى جدول أعماله مفتوحاً للأفكار وقابلاً للإثراء برؤية وروح وطنية".

تشاور

منذ انتخابه في المنصب في نهاية 2019، وفي غضون أكثر من أربع سنوات من عمر العهدة الرئاسية الأولى، عقد الرئيس تبون ما يقارب 40 لقاءً منفرداً مع قادة الأحزاب من مختلف الطيف السياسي في البلاد، أي من قطاع الموالاة ومن أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى شخصيات سياسية ونقابية، وذلك في سياقات مختلفة، والملفِت في تلك اللّقاءات أنّها كانت بشكل مستمرّ، سواء أكانت بدعوة منه أو بطلب من الفعاليات السياسية ذاتها، تناولت فيها مختلف الأطراف القضايا ذات الأهمية على المستوى الداخلي.

كما يُنظر للالتئام الأحزاب واجتماعها مع الرئيس قفزة نحو الانفتاح أكثر في نوعية العلاقة بين الرئيس والأحزاب، وتحت ما دعت إليه الحساسيات السياسية في كثير من المناسبات إلى ضرورة فتح المجال للحوار وإشراكها في وضع التصورات والخيارات الكبرى في البلاد.

ويشير الناشط السياسي في حزب جبهة التحرير الوطني، عبد الكريم بوغابة إلى أن الحوار عموما يعتبر "قطبا أساسيا من أقطاب الممارسة السياسية، خاصة في بناء العلاقة بين السلطة والأحزاب، بل هو أهم أهداف تحقيق الديمقراطية".

وبوصفها أهم أطراف بناء الممارسة الديمقراطية فإن مساهمة الأحزاب بآرائها تزداد في تشكيل هذا البناء، وقال بوغابة لـ"الترا جزائر" بأن الخطوة التي جاءت من الرئيس بإمكانها أن "تُنشئ وعيًا نقديا لدى مختلف الحساسيات السياسية في هذه الظروف المتغيِّرة.

تحريك العمل السياسي

مع ذلك، فإن مبادرة السلطة ستأخذ شكلا من أشكال الانفتاح على الأحزاب قبيل أشهر قليلة من تنظيم الانتخابات الرئاسية، فهل ستستجيب إلى انشغالات الطبقة السياسية، في مقابل دعوات عديد الأحزاب بضرورة تفعيل المناخ السياسي في البلاد؟

في هذا المنحى، اعتبر الناشط السياسي في حزب العمال، فريد سيدهم، بأن الاجتماع مؤشر إيجابي في تجميع الطبقة السياسية في مكان واحد، وخطوة إيجابية للاستماع إلى مختلف الآراء حيال عديد القضايا المتعلقة بالشأن الداخلي والخارجي أيضا.

عبد الكريم بوغابة:  الحوار يعتبر قطبا أساسيا من أقطاب الممارسة السياسية، خاصة في بناء العلاقة بين السلطة والأحزاب، بل هو أهم أهداف تحقيق الديمقراطي

هنا، أكد  محدّث " الترا جزائر" أن أي مبادرةترمي إلى الحوار المفتوح على مختلف مكوّنات المجتمع السياسي في الجزائر، هي " خطوة نحو توقيف الجدل الذي عرفته الساحة السياسية عقب إعلان الرئيس إجراء الانتخابات المسبقة، ومبررات عدم اجتماعه بالأحزاب قبل اتخاذ قرار من هذا المستوى، كما تفسر أيضا أن الرئيس تبون يسعى إلى أن تُجرى هذه الاستحقاقات في جو هادئ وبحزام وطني متين.

تسجيل أهداف

في هذا المضمار، يعتقد المتابعون للشّأن السياسي في الجزائر بأنّ الرئيس تفهّم موقف هذه الأحزاب وقرّر عقد اجتماع موسّع، لمواجهة تحدياتداخلية مرتبطة بمعوقات الخروج من أزمة الاقتصاد الريعي والبيروقراطية، والاستمرار في تنفيذ المشاريع الكبرى للتنمية، هذا في ظل طبيعة الظرف الإقليمي المتوتر علاوة على تحديات.

وفي سياق متصل، شدد الباحث في مجال العلوم السياسية، الأستاذ نذير بلهادي، إلى أنه لحدّ الآن لم يكشف عن جدول الأعمال محددا لهذا اللقاء، وهو ما يعطي -حسبه- تأكيد أن الرئيس لا يريد طرح مواقف أوّلا، بقدر ما يسعى إلى الاستماع إلى وجهات نظر القوى السياسية في البلاد ومقارباتها المختلفة.

ثانيا، وكما يضيف الأستاذ بلهادي لـ"الترا جزائر"، فإن اللقاء يدخل ضمن " تقليد" يحاول الرئيس تبون ترسيخه منذ توليه الحكم، ومرونته في التعامل مع مختلف الأحزاب السياسية في مسافة واحدة بينها والتشاور السياسي على مستوى واحد مع قادتها في إطار استقبالات درج على القيام بها في عديد المناسبات.

في غضون ذلك، يبقى السؤال المطروح حاليا، يتمحور حول ما الذي سيتغير بعد هذا اللقاء على صعيد الممارسة السياسية وتحرير الفضاء السياسي والاستجابة لمطالب الطبقة السياسية؟.

لقد فرضت بعض الانعطافات ضرورة لتهدئة الوضع السياسي في أعقاب الحراك الشعبي، لكن  يبدو أن رغبة السلطة اليوم في اتجاه تنظيم الانتخابات في أفضل الظروف وبخطابات سياسية مسؤولة تحسُّبا لتحديات أخرى واستحقاقات مرتقبة بعد نهاية العام الجاري.