30-يونيو-2024
جامعة الجزائر 3

(الصورة: فيسبوك)

تتعرض عملية التوظيف في قطاع التعليم العالي لانتقادات كثيرة في الفترة الأخيرة، فإضافة إلى عدم توفير مناصب شغل للعشرات من حاملي شهادتي الماجستير والدكتوراه، استهجن نقابيون أيضا طريقة توظيف الأساتذة الجامعيين والأسس التي تعتمد عليها، وبالخصوص بعد استبعاد الدكتور عبد الحليم قابة من التدريس بجامعة الأغواط، فهل تحتاج عملية تشغيل الأساتذة الجامعيين إلى إعادة نظر لتفادي تكرار هذه المشاكل.

أطلقت الوزارة أهدافا كثيرة في السنوات الأخيرة لتحسين التعليم في الجامعة، وربطها بالتطورات التي تحدث في العالم وفي ميدان الاقتصاد، إلا أن تحقيق ذلك يبقى بحسب متابعين مرتبطا باختيار الموارد البشرية المناسبة

وأطلقت الوزارة أهدافا كثيرة في السنوات الأخيرة لتحسين التعليم في الجامعة، وربطها بالتطورات التي تحدث في العالم وفي ميدان الاقتصاد، إلا أن تحقيق ذلك يبقى بحسب متابعين مرتبطا باختيار الموارد البشرية المناسبة  وتوفيرها بالقدر الكافي للتقليل من المتاعب التي تواجه الأستاذ الجامعي ليتفرغ لتعزيز البحث العلمي.

خارج المعادلة

ينتظر أكثر من 250 ناجحا احتياطيا في عملية التوظيف الاستثنائي لرتبة أستاذ مساعد قسم ب للسنة 2023  أن تنظر الحكومة في مطالبهم بتوظيفهم في مناصب بالجامعات الجزائرية، بعدما استثنوا من عملية التشغيل الاستثنائي، وفق ما قاله لـ"الترا جزائر" الأستاذ جلالي كرايس المتخصص في علم الاجتماع السياسي.

 ويتأسف كرايس لتجاهل مطالبهم من قبل وزارة التعليم العالي التي أصبحت حسب مراسلات وجهت لأعلى السلطات في البلاد "ترفض استقبالنا وفي الأيام المخصصة لذلك، وكذا التأشير على كل تظلماتنا وطلباتنا".

واشتكى كرايس وزملاؤه من "عدم مساواة وزير التعليم العالي بين الاحتياطيين الناجحين ضمن الرخصة الاستثنائية، بتكفله بـ 146 منهم وتوفير لهم مناصب مالية بتحويلها من جامعة لأخرى، وتوجيه الباقي لاجتياز مسابقة"، فيما لم يستفيدوا هم من هذه الإجراءات، وبالخصوص الحاملين لشهادات ماجستير ودكتوراه في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

مراسلة
وجاء في عريضة وجهها هؤلاء لرئيس الجمهورية أنهم "أودعنا ملفاتنا الإدارية نحن البطالين غير الأجراء، للالتحاق بمنصب أستاذ مساعد قسم "ب"، ثم وجهتنا وزارة التعليم العالي لمختلف المؤسسات الجامعية لإجراء المقابلة، التي كانت شكلية، لأن التوظيف كان مباشرا، ولم تكن المقابلة عبارة عن امتحان أو أسئلة كتابية، ثم قامت الوزارة في شهر جوان بفتح منصة أخرى وهي منصة الطعون، وهي سبب حرماننا من مناصبنا نحن البطالين".

 وأضافت العريضة أن "هذه المنصة سمحت بتسجيل من لم يكن مسجل أصلا في منصة الإحصاء لشهر جانفي 2023، وفتحت لصالح الأجراء الذين استقالوا من مناصبهم التي كانوا يشغلونها في الإدارات العمومية، ما يقارب 5000 أجير، وتمّ شطب بعضهم من صناديق التأمينات الاجتماعية حتى يعطي لأنفسهم صفة بطال، والبعض بقي منتسب للتأمينات الاجتماعية، ورغم ذلك تمّ قبول ملفهم للمشاركة في التوظيف".

وبينت العريضة أن سبب إقصاء هؤلاء هو أنهم كانوا " ضحيّة توجيه الوزارة لمؤسسات جامعية لا تتوفر على مناصب متطابقة مع المترشحين، وهنا تمّ خرق مبدأ المساواة بيننا وبين باقي المترشحين الذين نصّبوا فورا بمنصب أستاذ مساعد قسم "ب".

وأضافت العريضة التي بحوزة "الترا جزائر" أن مستشار التعليم العالي صرح للصحافة بأنّ الوزارة ستتكفل بقائمة الاحتياط المنبثقة عن عملية التوظيف، إلا أن" وزارة التعليم العالي خرقت مجدّدا مبدأ المساواة وكان هذه المرة بين فئة الاحتياطي الناجح ذاتها، أين تمّ تسوية فقط الاحتياط الناجح في الشعب العلمية تاركا احتياط الناجح الشعب العلوم الإنسانية (حقوق، علوم سياسية، علم الاجتماع، علم النفس، علم الإعلام والاتصال....) أين وفّرت لهم مناصب بل والأكثر من ذلك تمّ تحويل مناصب مالية من جامعات ليس بها قائمة الاحتياط الناجح، وداخل الجامعة نفسها تمّ تفضيل شعب على أخرى في استدعاء احتياط الناجح الذي بقي هذا الأخير يدرس الساعات الإضافية نظرا لاحتياج الجامعة لهم في انتظار تاريخ استدعائهم".

لا يقتصر الانتقاد الموجه لطريقة التوظيف في قطاع التعليم العالي على الناجحين احتياطيا في عملية التوظيف الاستثنائي لرتبة أستاذ مساعد قسم ب لسنة 2023 فقط، إنما هذا الانتقاد يأتي من مختلف النقابات الجامعية

ويعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي أن عدم توظيفهم حتى الآن" ظلم كبير تعرضوا له من قبل الوزارة"، بالرغم من أنهم مشمولين بالرخصة الاستثنائية التي أمر بها الرئيس تبون لهذه الفئة.

انتقاد
لا يقتصر الانتقاد الموجه لطريقة التوظيف في قطاع التعليم العالي على الناجحين احتياطيا في عملية التوظيف الاستثنائي لرتبة أستاذ مساعد قسم ب لسنة 2023 فقط، إنما هذا الانتقاد يأتي من مختلف النقابات الجامعية، منه المجلس الوطني لأستاذة التعليم العالي الذي عبر أمينه العام عبد الحفيظ ميلاط عن ذلك عدة مرات في تصريحات أو تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويؤيد ميلاط فتح منصة وطنية للتوظيف، لكن يشترط أن يقتصر دور الجامعات على تقديم احتياجاتها عند فتح كل عملية توظيف، وتكوين لجان جهوية أو لجنة وطنية تتكلف بدراسة ملفات المترشحين وتقيمها، واعلان النتائج، مع تحديد سن أقصى للتوظيف في سلك الأساتذة الجامعيين مثلما هو معمول به في معظم دول العالم، ومنع إعادة إدماج الأساتذة المستقيلين برغبتهم مرة أخرى.

مقترح عدم إدماج الأساتذة المستقيلين لا يرقى القبول عند جميع الأساتذة وبالخصوص الذين يسافرون للتدريس في الخارج

لكن مقترح عدم إدماج الأساتذة المستقيلين لا يرقى القبول عند جميع الأساتذة وبالخصوص الذين يسافرون للتدريس في الخارج، وهو ما حدث مؤخرا مع الدكتور الشيخ عبد الحليم قابة الذي لم يقبل للتدريس بجامعة الأغواط، وهو الأمر الذي  يخص أيضا الأساتذة الذين يلتحقون بمؤسسات اقتصادية في الجزائر، وذلك بهدف تحسين مستواهم المادي أو الميداني في تخصصاتهم، والذي لا توفره  الجامعات الجزائرية بالنظر إلى أن الأجور محددة من قبل الوظيف العمومي ولا ترتكز إلى معيار علمي اقتصادي يتماشى مع ما يحدث في العالم.

لكن ميلاط يقترح حلا لهذا الإشكال بـ"عقد اتفاقيات مع جامعات دول عربية وأجنبية، تسمح بانتداب الأساتذة الجامعيين الجزائريين للتدريس في جامعات هذه الدول، مع استفادة الخزينة العمومية من نسبة محددة بالعملة الصعبة من أجور هؤلاء الأساتذة، وفي نفس الوقت يحافظ الأستاذ المعني على أقدميته ورتبته عند إدماجه بعد انتهاء فترة الإعارة".

وطالب ميلاط بـ" التركيز على فتح مناصب عمل للدكاترة في مراكز  البحث العلمي،  مع مضاعفة عدد مراكز البحث العلمي، لغاية الوصول للمعدل الدولي للباحثين الدائمين، لأننا نحتاج لتوظيف حوالي 20 ألف باحث دائم للوصول للمعدل الدولي".

وسواء تم العمل بهذه المقترحات لحل مشكل الشيخ عبد الحليم قابة أو غيره، فإن الأساتذة الناجحون الاحتياطيون يرون أن هذه القضية كان يمكن أن لا تسلط عليها الأضواء لو لم يكن المعني أستاذا معروفا، لأنهم يرون أن "المئات ممن تعرضوا ويتعرضون لهذه الانتهاكات، في ظل انعدام الرقابة أو المحاسبة مما زاد في انتشار هذه الممارسات بشكل كبير، لأنه ببساطة هؤلاء غير معروفين لكي يتلقوا هذا الصدى الإعلامي والتعاطف ".

ومهما كانت الأسباب التي جعلت الأساتذة الجامعيين الذين هم نخبة المجتمع يتعرضون لهذه العوائق في الحصول على وظيفة يكفلها القانون، فإن المؤكد هو أن عملية التوظيف في الجامعة أصبحت تحتاج اليوم إلى إعادة نظر ومرجعة تضمن أكبر قدر من المساواة والإنصاف لجميع المترشحين للرقي بمستوى التعليم العالي في الجزائر.